د. فوزية البكر
قد لا يبدو غريبا أن الطلبة لدينا يستخدمون جولاتهم بكثرة مفرطة فالمثل يقول: من شابه أباه فما ظلم؟ هذه ملاحظة ملموسة في كل مكان نكون فيه: سيارة، طيارة، شارع، أسواق تجارية، مؤسسات بيوت الخ:
الكل يغرس عينيه ويحرك أصابعه فوق تحت ليقرأ الواتس اب ويشاهد المقاطع حتى بدا أن علاقتنا مع هذه القطعة الغالية لا يضاهيها استخدام وفي الحق يبدو الأمر أحيانا محزنا خاصة في المؤسسات التربوية ومنها الجامعة فمثلا فكر في شيء بسيط وقد يراه البعض هامشيا لكني أراه مهما من ناحية العلاقات الإنسانية في المؤسسات العامة: لحظة استخدام المصعد، راقب كيف تغيرت اليوم عن السابق؟!
المكان ضيق في المصاعد وقد جرت العادة أن يضطر الراكب طالبة أو أستاذة إلى النظر في وجوه بعضهما فتؤديان التحية بحيث تبقى صورة الوجه مطبوعة في الذاكرة ليعاود كل منهما تذكرها حين يلتقيا في أي مناسبة أخرى. اليوم: لا أحد يتذكر وجه أحد ولا أحد يهز رأسه بالتحية لأحد.. لماذا؟ لأن عينيه مغروسة في داخل الجوال فهل انتهى عصر التفاعلات الإنسانية التلقائية؟!
الآن: السؤال الذي بدأت البحوث التربوية في طرحه هو الآتي: كيف ينظر الطلبة الجامعيون مثلا إلى الجوال وكيف يتعاملون معه وهل يؤثر على أدائهم الأكاديمي سلبا او إيجابا؟
أوضحت بعض هذه الدراسات أن الطلبة الجامعيين يستخدمون الجوالات حتى داخل الفصول الدراسية رغم وجود قوانين تمنع ذلك لكن لا ننسى أن هذه الجوالات قد تطورت بشكل كبير جدا يمكن أن يساهم في دفع عملية التعلم بطرق قد لا نتصورها فمثلا قدرة الاتصال بالإنترنت تتيح للطالب الوصول إلى المواد المختلفة في أي موضوع يشاء في أي وقت يشاء إضافة إلى خاصية المشاركة في الملفات المختلفة من مقالات وفيديوهات و كذلك التفاعل مع الأساتذة والطلاب الآخرين عبر المجموعات المتخصصة سواء في الواتس اب أو المحادثات أو البلاك بورد أو غيره من المنصات التعليمية لكن هل فعلا ينظر الطلاب إلى الجوال كأداة تعليمية؟
بعض نتائج المقابلات في بعض هذه الدراسات أشارت إلى أن الكثير من الطلبة يرى الجوال كأداة للتسلية خاصة داخل الفصول الدراسية وذلك لقتل الملل في المحاضرات عبر التسكع في تويتر أو الفيس بوك أو مشاهدة أحدث السنابات المرسلة من الأصدقاء. آخرون عبروا عن كونها صارت عادة آلية في أن يفتحوا الجوال ويقلبوا فيه بشكل آلي إلى درجة أن بعضهم عبر عن شعوره بالقلق بأن شيئا ما قد يحدث لأصدقائه أو ذويه لو غاب عن جواله طوال ساعات المحاضرة التي قد يصل بعضها إلى ستين أو تسعين دقيقة أو ربما أطول؟ ! هنا يأتي سؤال الباحثين حول أثر استخدام الجوال على الأداء الأكاديمي للطلاب.
أظهرت بعض الدراسات التي تمت (جاكسون و فيتزجرالد 2011، 2012 ) أن قضاء وقت طويل في ألعاب الفيديو ارتبط بانخفاض في المجموع الكلي للطلاب كما أن قلة الاستخدام للإنترنت ارتبطت إيجابيا بارتفاع التحصيل الأكاديمي بل إن الدراسات أظهرت أن أداء الطلبة الذين يحاولون القيام بعدة أمور في وقت واحد مثل إرسال رسالة نصية وتصفح الفيس بوك يكون أداؤهم الأكاديمي منخفضا بالنسبة لأولئك الطلبة الذين لم يقوموا بذلك.
على أية حال لا يبدو أن أهمية أو شهرة أو سهولة استخدام الأجهزة الذكية ستقل في أي وقت قريب بل من المتوقع ومع تداخل التكنلوجيا في كل مناحي حياتنا في العصر الحاضر أن يزداد اهتمام الطلبة صغارا وكبارا به فما هو الحل؟ وما الذي يمكن لصانعي السياسات التربوية عمله لتوظيف هذا الشغف الكبير بهذه الأجهزة من أجل تعزيز العملية التعليمية وتثبيت التحصيل الأكاديمي بدل التأثير عليه سلبا؟
الدراسات المختلفة تقدم نماذج عديدة للمربين لتنويع استخدامات هذه الأجهزة داخل الفصول الدراسية وبدل أن يلعب المراهقون وحتى طلبة الجامعة ألعاب فيديو (فقط) لأنها مسلية وتساعد على تزجية الوقت يمكن للمؤسسات وبالاتفاق مع الشركات المشهورة في إنتاج هذه الألعاب توجيهها لتخدم أغراضا رياضية أو علمية أو معرفية يشعر معها المراهق وطالب الجامعة بأنه تعلم شيئا جديدا أو تمكن من فهم حالة جغرافية أو ظاهرة مناخية مرتبطة بظروف اللعبة التي يلعبها أو تواصل مع العالم للتعرف على اختلافاته وتناقضاته وهل أجمل من الألعاب ميدانا لعرض الأفكار المختلفة؟
ميدان استخدام الألعاب في التعلم ميدان مثير جدا الآن وخاصة في مجال رياض الأطفال والسنوات الأولى للمرحلة الابتدائية التي تنشط التجارب العالمية فيه بل وحتى داخل جامعاتنا المحلية فهناك تجارب وبحوث على مستوى الماجستير والدكتوراه بإشراف مشترك محلي وخارجي مثل ما يتم في قسم السياسات التربوية ورياض الأطفال في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض والذي تقوم عضواته ببحوث مكثفة حاليا في هذا المجال كما يحضر القسم لعقد أول مؤتمر عالمي في المملكة حول اللعب والألعاب الإلكترونية في هذه المرحلة والذي سيعقد بإذن الله قريبا لكن السؤال هو أن شغف الطلاب بهذه الأجهزة ممتد عبر أعمارهم حتى المشيب ولن تنتهي بانتقالهم من المراحل التعليمية الصغرى فكيف أذن يمكن للمؤسسات التربوية توظيف هذ الشغف في تعزيز عمليات التعلم بدل النظر إليها كمشتت لتركيز وجهد الطالب؟