د. فوزية البكر
بعد عام من الحادثة المشؤومة لأسامة بن لادن كنت أقضي أول سنة لي في التفرغ العلمي بجورج تاون في الولايات المتحدة وشاركت في إحدى الندوات التي كانت تناقش آثار هذا الفعل المدمر على العلاقات الأمريكية العربية، وحين ذكر أحد المتحدثين ان هذا التأثير ستظهر آثاره حتى بعد خمس عشرة سنة لم يصدق معظم الحاضرين ذلك، وبدأ نقاش طويل حول متانة العلاقات مع العرب وخاصة الدول الخليجية.
اليوم وبعد كل هذا الوقت تظهر آثار الدومينو الخفية، فالغرب شئنا أم أبينا يبدو واضحا أنه يقول لنا: حان الوقت أن ننزلكم من وسائدكم الأثيرة وعليكم أن تجدفوا (وربما) وحيدين ضد التيار؟!
أوروبا التي طالما حاولت أن تدعم بعض قضايانا وخاصة القضية الفلسطينية تبدو هي الأخرى غير معنية بما يحدث في شرقنا العزيز خاصة بعد الصدمة الإنسانية والثقافية المروعة التي تلقتها بعد الحادثة المسماة شارلي أبدو التي وقعت في باريس يناير 2015 حين هاجم إسلاميون بأوامر من المتطرف الظواهري مكاتب الجريدة المعنية وقتلوا 12 من محرريها وجرحوا سبعة.
اليوم يضطر أحد سفراء الدول الخليجية في إحدى دول أوروبا أن ينصح مواطنيه بعدم زيارة هذا البلد إلا للضرورة بعد أن لاحظت السفارة نبرة العداء للخليجيين بل وصل الأمر إلى تنظيم مظاهرات من قبل بعض الناشطين تدعو إلى طرد الخليجيين من بلادهم وحدائقهم بسبب الاختلافات الثقافية في التعامل مع البيئة والحيوانات وأساليب الحياة التي يراها مواطنو تلك البلدان تختلف كلية عن أساليب حياتهم.
وبالطبع فما نفعله في كل بلد حين نسافر وخاصة في فصل الصيف حين يحين موعد الهجرة الجماعية الخليجية إلى بلدان العالم (حيث البراد والحرية!) ينتقل بسرعة البرق عبر وسائط التواصل الاجتماعي إلى الدرجة التي اضطر فيها سفير دولة الإمارات في النمسا إلى إقامة احتفالات شعبية لعرض التراث الشعبي الخليجي وجمع بعض التبرعات لبعض الجمعيات الخيرية هناك في محاولة لتحسين الصورة الذهنية السلبية التي بدأت تتضح في أذهان المواطنين الأوربيين.
ألم يكن الخليجيون يزورون هذه البلدان منذ ارتفعت عوائد النفط في السبعينيات من القرن الماضي؟ ألم يكونوا يتصرفون (ربما أسوأ) مما يفعل بعضهم الآن؟ بالطبع كانوا هناك وكانوا يثيرون الدهشة بكل ما يفعلونه ويأكلونه ويلبسونه ويقودونه من سيارات فارهة وعدد هائل من الأطفال والحقائب والملابس. لكن لم يكن العداء للعرب والإسلام كما هو الآن.
ما يسمى بالأسلامافوبيا هو حقيقة للأسف تطلق مخالبها اليوم على كل عربي ومسلم حتى لو سار في هدوء ودون إثارة أية ضجة.
ما حدث من تفجيرات مروعة في 11 سبتمبر أودت بحياة ما لا يقل عن 3000 آلاف شخص وتركت المئات من العائلات والجراح الدامية وما أثارته تفجيرات لندن ومدريد وباريس وكندا ثم تلتها أفلام الرعب التي انتجتها المخيلة المجرمة لداعش كل ذلك خلف آثارا دامية على علاقة الشرق بالغرب وعلاقة الإسلام بالعالم ستبقى آثارها ممتدة لسنوات طويلة قد لا نتخيلها.
من يتابع اليوم المقالات المحللة للعلاقات العربية الغربية والندوات التي تعقد علنا في أمريكا وأوروبا سيلاحظ تحولا عميقا في النظرة إلى منطقة الشرق الأوسط حيث يبدو الرئيس الأمريكي معنيا بترك بصماته التاريخية على علاقات أمريكا مع العالم أكثر من عنايته بمعالجة قضايا العرب الملحة وخاصة ملف القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي الذي أدرك أوباما أنه لن يتقدم فيه كثيراً بوجود الرئيس الإسرائيلي الحالي فآثر ترك الأمر كله واتجه لخطوات ستترك آثارها الكبيرة على الولايات المتحدة وتبقى ذكراه عبر التاريخ ومنها على سبيل المثال إعادة العلاقات الأمريكية الكوبية التي ظلت مقطوعة منذ أكثر من 25 عاما وتحرير ملف العقد النووي مع إيران لينهي بذلك سنوات طويلة من العزل الاقتصادي والعداء المكشوف بين الدولتين.
اليوم نكاد نشعر بتساقط الثلج البارد أمامنا في طريق عالمي طويل علينا أن نحفر عبره بعروقنا بعد سنين طويلة من ضمان علاقة محمية بحكم أموال النفط التي وفرت الحماية الدولية والفيز وعطل الصيف والقبول للدراسة والتطبب في معظم أنحاء العالم.
اليوم هناك تيار غربي معاد للأسف للعرب والثقافة الإسلامية وللخليجيين ثم للسعوديين تحديدا لم نشأ نحن العاديين خلقه كما لم يشأ الملايين من الناس أمثالنا في أمريكا وأوروبا خلقه لكن ظهور مصادر أخرى للنفط في أمريكا وتطور العلوم لإيجاد بدائل للنفط والبنزين قلل الاعتماد علينا، ثم الحاجة لنا كما أن قوى الشر والتطرف التي ظهرت في شرقنا وبوجود وسائل التواصل الاجتماعي خلقت صورة مضللة ومخيفة عن هذا الشرق المتوحش والمتعطش للقتل والدماء.
علينا عبر عمل مشترك أن نحاول قيادة الطريق لتلافي آثار هذا الصدام الحضاري الخطير. نحن الآن من يجب أن يعمل عبر جهودنا وسلوكنا الذاتي لإيضاح حقيقة المسلم والعربي النزيه الذي لا علاقة له بهذا العنف الذي هز صورتنا أمام العالم. يجب أن تعمل الجمعيات التطوعية يدا بيد لإظهار سبل التفاهم العالمي درءا لمسببات صدام حضاري مروع لا تحتاج البشرية إليه في مرحلتها الحضارية الحالية.
تحتاج الحكومات أن تبذل جهدا لدعم المساعي الشعبية والوطنية في هذا المجال عبر تشجيع آليات العمل الشعبي والأهلي والتطوعي المشترك بين الجمعيات الإنسانية المختلفة عبر العالم. تحتاج الحكومات وأثرياء بلداننا إلى التركيز على إبراز الوجه الحضاري والفني والتشكيلي لبلادنا عبر إقامة المتاحف الجادة ودعم الدراسات المشتركة الحضارية وتشجيع الآليات التي تظهر النتاج العلمي والحضاري والثقافي لنا كأوطان بدل أن تستلمنا منظمات متطرفة داعشية لتحدد إطار الصورة. نحن أكبر وأكثر وأقوى من داعش وعلينا أن نثبت للعالم ذلك.