تركي إبراهيم الماضي
التحق بدورة تدريبية خارج البلاد. ضمت الدورة عدداً من المتدربين من عدة دول مختلفة، يمثّلون جنسيات وثقافات متنوِّعة. بدأت المحاضرة بتعارف بين المحاضر والمتدربين. ثم التقط المحاضر قلمه وخط على السبورة سؤاله الكبير:
أين ستجد نفسك بعد عشر سنوات من الآن؟
من سوء حظه أنه كان الأول في الصف. تلعثم في البداية، واحتار ماذا يقول؟ هو القادم من الصحراء. ومن يعش في الصحراء، لا يمكن أن يبني أحلاماً لعام واحد، فكيف بعشرة أعوام؟
شعر المحاضر بحرجه فتجاوزه للمتدرب الآخر. تفاجأ من إجابات المتدربين. كانوا يعرفون على ماذا سيقدمون في مستقبلهم القريب. لم تكن أحلامهم كبيرة، بل على العكس، كانت أحلامهم بالنسبة له في متناول اليد، لكنها في بلادهم لم تكن كذلك. متدربة قادمة من الصين، كان حلمها أن تكون مسؤولة لعبة الغولف في المجمّع التي تعمل به كمتدربة في مدينتها الضخمة. متدرب آخر من الأرجنتين، يعمل في شركة لصناعات البترول، يحلم بأن يحقق حلم والده بامتلاك مزرعة خلال عشر سنوات.
وأعجبه منطق متدرب من سويسرا، ظل يتحدث عن حلمه كمن قارب على امتلاكه. أدهشته قدرته في معرفة ماذا وكيف سيحقق حلمه؟ غبطه كثيراً وهو يصف كيف سينشئ روضة أطفال مغايرة عن مثيلاتها. فكرتها الرئيسية أن تجعل الأطفال يحددون معالم أحلامهم المستقبلية، وهم لم يتعلموا القراءة والكتابة بعد.
كان هو الوحيد الذي لا يعرف أو لم يتعلّم كيف يرسم أحلامه؟ لم يكن خطؤه، وهو أيضاً لم يكن خطأ أحد بعينه.
عاد إليه المحاضر بعد أن استمع لجميع المتدربين، وسأله مرة أخرى. بدا واثقاً هذه المرة وهو يجيب: «صدقاً.. لا أعرف». بادله المحاضر تعاطفاً حقيقياً وهو يؤكد له: «ربما تكون مسؤولاً مهماً في مجال عملك»!
تناول المحاضر قلمه ثم مضى يكتب أحلام المتدربين على السبورة. وبعد أن انتهى، ابتعد قليلاً عن السبورة، تأملها طويلاً، ثم صاح: «هذه أحلام حقيقية.. أكاد أشعر بها».
وضع قلمه على طاولته، ومشى بين صفوف المتدربين، يشرح معنى الحياة الكبير.