رمضان جريدي العنزي
هم مجاميع مجهولة، فيروسات خطيرة، دخان وأغبرة، وغازات سامة، خفافيش يعشقون الليل، ويكرهون النهار، لهم أهواء ورغبات ونزوات بليدة، قيعان نفوسهم مريضة، وأرواحهم سقيمة، ومخططاتهم شريرة، يريدون إهالة التراب على التراب، وجلب الانكسار على الانكسار، نبت شوكي سام، وماء آسن ملوث، أفكارهم طائشة مدججة بالذبح والقتل والإبادة، عقولهم ملوثة بالفتنة ولون الدم والنسف والهدم والحرق والخراب، يحصدون الأرواح بالجملة دونما تمييز بين كبير وصغير ومُقعد ومريض وصبي وامرأة ومصل وعابد وراكع وساجد ومرتل للقرآن، هم يرون في قتل الناس حياة سعيدة، بل بطولة وشرفا وانتصارا، وتذكرة مجانية لدخولهم الجنّة!، ثقافتهم الدم والبارود وحصاد الأرواح، والنتيجة دولاب يومي دام لا مكان فيه للرحمة والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، يموت الناس، تهرق الدماء، تهدم المباني، تحرق الحقول، تقفل المدارس، تتعطل المستشفيات والمصانع ومنشآت الإنتاج ودور الإيواء والبر وجمعيات الخير، والمساجد، يتيه الناس، تضيع معالم الحياة، كل ذلك لا يهم عندهم، ما يهمهم هو التدمير والحرق والنسف والإبادة والإزالة، هذه الأعمال تتوزع بينهم بالتساوي، يوم لسوق مزدحم، وثان لجسر، وثالث لمحاضر جامعي، ورابع لعالم جهبذ لم يعد عندهم وجوده ضرورة، وخامس لتاجر، وسادس لمسجد، وهكذا دواليك مميتة، هؤلاء هم «الخوارج» الجدد، بحللهم المزركشة بالرماد، وكهفية تفكيرهم، وحجرية أعمالهم، وتاريخهم المختلط بإتجاهات الدم كله، هؤلاء «الخوارج» سيلونوننا إن تمكنوا لا سمح الله بلون الدم الأحمر القاني الكثيف، سيجعلون حياتنا بلا حياة، ولا حساب ولا أرقام ولا تطلع ولا بناء ولا عمل، سيحوّلون الأمكنة بلا معالم ولا أضواء ولا ألوان ولا طرقات، والزمن من دون فصول، وسيجعلوننا أمة بلا أجيال، سيموت الأطفال قبل أن يكتبوا أسماءهم على السبورة، سينوعون الموت ويشعبونه ويلونونه، سيجعلوننا نعيش بين الموت والموت موت، وبين التفجير والتفجير تفجير، وبين الدمار والدمار دمار، سيجعلوننا نحفظ لون الدم، وشكل الدم، وهيئة الخراب، وتفاصيل الفناء، هذه ليست نبوءة، ولا حكاية من حكايات العرافين لقراءة طالع، ولا ظاهرة جغرافية طارئة قد تختفي بتغير الفصول والمواسم، أو تتلاشى بتحسن عوامل الطقس وتبدل الظروف المناخية، ولا هي رسالة تحذيرية عابرة من رسائل أصدقاء البيئة، إنما هي كارثة حقيقية مفزعة، وفاجعة مأساويتهدد ملامح الحياة البشرية ومقوماتها في المدن والأرياف والسهول والوديان والقرى، كارثة محدقة تؤكدها المعطيات والاستنتاجات العقلية والمنطقية والسياسية، إذا ما تمكن هؤلاء الخوارج الجدد لا أمكنهم الله، سنستيقظ - لا سمح الله - من سباتنا ذات صباح لنكتشف أننا أصبحنا بلا ماء، ولا كهرباء، ولا أشجار، ولا حراك، ولا تطلع، ولا عموم حياة، لذا علينا جميعاً ألا نختار الوقوف على التل ونتفرج، ولا الوقوف في المنتصف، بل علينا التصدي لمخططات هؤلاء الخوارج الجدد الذين يخططون ضدنا وفق أبشع جرائم التجفيف والتحريف والتجريف والإزالة، إن من يحب وطنه ينبغي ألا يتأخر في الذود عن حدوده وأشجاره ومائه وبيده وإنجازاته وسلامته، ومن يحب وطنه ينبغي أن يصون ممتلكاته ويحمي موجوداته بكل الوسائل والأساليب والطرق المتاحة وغير المتاحة، فالذي يولد زاحفا لا يمكنه التحليق والطيران، والخوف لا يحقق الأماني، والنجاح في المهمات الصعبة جبل وعر لا يمكننا تسلقه نحو القمة وأيدينا في جيوبنا.