د.ثريا العريض
العيد قادم بعد يومين..
والعيد عادة فرصة للابتهاج والاحتفال. هذا العيد يبدو ملغماً بالشك وأحزان البشرية خصوصاً المسلمين. اللهم امنح عبادك الطيبين انفراجاً، وأوقف الآخرين عن غي أفعالهم.
منذ سنوات طويلة قرأت كتاب الأديب الفلسطيني الكبير أميل حبيبي - رحمه الله - الذي عنونه «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل»، وصنف نفسه فيه «المتشائل». يشرح فيه خاصية الفلسطيني الذي لا يستطيع إلا التشبث بالأمل متعايشاً مع ضرورة التفاؤل وواقعية التشاؤم.
يبدو لي أننا كلنا اليوم نحمل صفة التشاؤل: عين في غبار الحاضر تدمع, وعين إلى الأفق المرغوب تتطلع رغم الضبابية المعمية. وبين هذا وذاك يبقى التساؤل عن مسببات قصور الحاضر في ما مر من أحداث الماضي؛ وعن احتمالات تغيير وجهة القادم بعد تفهم المسببات الداعية للتشاؤم.
لست وحدي المتفائلة, ولا وحدي المتشائلة؛ والسر المنقذ هو قدرة الاحتفاظ بسلاح التساؤل والبحث عن إجابات تزيح الضباب. ونعلم الآن بوضوح بغض النظر عن اختلاف الإجابات أي عواصف غبار تحيط بأجوائنا وأي ضباب يعمي الرؤية وأي حقد يسمم الأجواء. وفي الغبار والضباب تتراجع قدرة الرؤية ولكنها لا تغير معالم الطريق.
المتفائل يرى بالبصيرة! ولا يفقد الأمل في القضاء على مصادر الخطر ويتعلم كيف يطوع أفكاره ومشاعره لتصبح بمرونة الكرة المطاطية كلما أنزلتها المستجدات السلبية مرتطمة بالأرض, ترجعها قوة التفاؤل صاعدة إلى أعلى حيث آفاق الأمل.
هناك من يتربص بالوطن بصمت وهناك من يجرحه بصخب متهور. ويعرف العقلاء أنه لابد من التكاتف لحماية الوطن. وفي الشدائد يصبح وجود الصوت العاقل ضرورة ماسة. أتمنى أن يجد صوتي طريقه في زحمة الصخب وأن تصل نصيحتي الصادقة اليوم كما كانت تصل بالأمس من القلب للقلب مليئة بالحب. من هذا المنطلق أدعو الله أن يأخذ صانع القرار وقائد المسيرة بزمام الحزم ويقر قوانين معاقبة الفساد وتجريم الكراهية والإقصائية والعنف الأسري, ليمتنع الجهلة عن الاستفزاز والعبارات النابية وتأجيج الفرقة والتحريض على العنف وتهديد أمن الوطن والمواطنين. وأيضاً تسريع إجراءات تقويم مناهج التعليم, وردع المتحرشين, والمعتدين, والمؤلبين ضد المختلفين.
أقول آن الأوان لنغير ما بأنفسنا من علل تسبب تعلعل المجتمع.. آن أن يكون السائد هو التمسك بالذمة وتطبيق القانون بكل تفاصيله أينما جاء, ومعاقبة من يكسره متعمداً أو جاهلاً. آن الأوان أن يصبح الإخاء وصدق الانتماء مرادفاً للهوية الوطنية وجزءاً لا يتجزأ من متطلباتها. وأن يصمت الناعقون بغير ذلك.
اللهم امنح الشباب نقاء البصيرة وقوة المثابرة لتعديل وجهة المستقبل, ليكون كل عيد قادم فرصة مستحقة للابتهاج والتفاؤل.