كوثر الأربش
نحن متفقون أن السياسة عمودها الأساس المصالح الدولية، السياسيون أيضاً يدركون ذلك. ليس مذموماً تحت مظلتها أن تصادق عدوك طالما تجمعكما اشتراكات وعوائد. العيب أن تستغل الإسلام لتسيير الشعوب حسب وجهتك السياسية. تشكل اللغة الدينية، وتصيغ إسلاماً يواكب تطوراتك وقراراتك السياسية، فتصبح دولة ما عدوة، وتغدو - حين تشاء - صديقة. وفي خضم هذه التبدلات والتحولات سيكون الإسلام صلصالك الذي يؤازرك ويكون طوع يدك! هذه هي ورطة ولاية الفقيه، أي عندما يصبح الفقيه، واعظا، وإماما، وسياسيا أيضاً! إنه سيتعامل مع مبادئ الإسلام ومفاهيمه، كتعامل فتاة في اختيارها فستاناً مختلفاً من الخزانة ذاتها.
والإسلام بالطبع، ليس خزانة فساتين، أهم ما يميز المبدأ أنه ثابت، لا يحيله الزمن، ولا تزحزحه المصالح. لكن الورطة التي وضع فيها الإمام الخميني إيران وسياستها، أصبحت حتى خزانة الفساتين لا تحوي ما يخرجها دونما انبعاث رائحة فضيحة، فضيحة التناقض بالطبع.
إن إيران اليوم، ليست كإيران الأمس، ليست إيران الخميني. الإيرانيون أنفسهم ضاقوا ذرعاً بتبعات القرارات الخمينية، في طهران بذاتها ذبل وهج الثورة في نفوس الناس، أصبح رغيف الخبز، وسقف البيت، هو كل شيء. بعد سلسلة من الأحداث التي طحنت الإنسان الإيراني. عرف الإيراني ما هي خطته، وما هي خطة حكومته. وأن خندقاً عميقاً ما بينهما. عرف أنه يريد أمانا ماديا، يريد اندماجاً مع العالم، يريد أن يعيش، وأن حكومته تريده معزولا، مُعدما، مستنزفاً. من هنا بدأت الأيدي القابضة على «حُلم الخميني» بالتراخي. وبدأت تتلمس مصائرها وأحلامها الخاصة بين ركام وعتمة وشعارات!
إرادة الشعب الإيراني يمكن أن تتدارك، لكن ورطة الحكومة الإيرانية اليوم هي المأزق الحقيقي. كيف يجد الولي الفقيه الآن منفذا لسياسته الجديدة؟ كيف يطوع لغة القرآن، كيف يستغل الإسلام؟ أي فستان سيختار الآن من الخزانة؟ والأهم أين يذهب بوصايا روح الله الخميني؟ أعني تحديداً وصيته الأخيرة التي كتب فيها: «أن على العالم القضاء على امريكا، والا فإن هذه المصائب ستظل تسحق العالم مادامت امريكا موجودة. فحيثما لم يتحقق لها ذلك بحثت عن مكان آخر»، وقال أيضاً: «إن شعبنا بل وشعوب العالم الاسلامي والمستضعفة يفتخرون بأنهم اعداء لأولئك الذين يكنون العداء لله وللقرآن الكريم والاسلام العزيز، اولئك المتوحشون الذين لا يتورعون عن ارتكاب اية جريمة وخيانة بغية الوصول الى اطماعهم المشؤومة والمجرمة، والذين لا يعرفون صديقاً ولا عدواً في سبيل تسلّطهم وتحقيق اهدافهم الدنيئة، وعلى رأسهم أمريكا» وفي نفس الوصية الشهيرة مخاطباً الشعب الإيراني والمسلمين جميعاً: «أن تتفاهم جميع الدول والشعوب على هذا الامر المهم ويقطعوا - والى الأبد - ايدي القوى الكبرى آكلة العالم وجناة التاريخ». روحاني أمام مأزقه التاريخي هذا، لا أعني موقفه السياسي، فالسياسة « واسعة ذمة» أعني مأزقه الديني، في اختيار اللغة الدينية، الفتاوى، المواعظ، آيات القرآن، في اقناع متبعيه أن مصادقة أمريكا، والتي سماها الخميني الشيطان الأكبر، والاستكبار العالمي. والكفار، المنافقين، المنحرفين ليست انحرافا ونفاقاً وانبطاحاً. ماذا يفعل روحاني؟ هل يستخدم مثلا مصطلحات: كالتوبة، الاستغفار، والعافين عن الناس؟ ماذا يفعل؟ وصية الخميني اثقلت كاهله، كما هو كاهل الإيرانيين أنفسهم. الإيرانيون الذي يفتخر الخميني في وصيته الشهيرة أنهم تسلقوا أسوار السفارة الأمريكية ورموها بالحجر والنار. هم ذاتهم الإيرانيون الذين أزالوا عبارات « أمريكا الشيطان الأكبر» من جدران السفارة. واعتبر روحاني/ الفقيه الحاكم في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» الذي تبثه محطة «سي بي إس» الأحد، أن هذا الشعار الذي يردده المصلون الإيرانيون باستمرار خلال صلاة الجمعة ما هو إلا ردة فعل سياسية على سياسة الولايات المتحدة ضد إيران.
ما الذي يحصل يا ترى؟ هل يحاول روحاني تخليص « مكانته الدينية» بأن قال عداء إيران فقط للدولة وليس للشعب الأمريكي. حسناً وهل اتفاقاتكم النووية الآن بينكم وبين الشعب يا سيد؟ ويقول إن شعار الموت لأمريكا مجرد شعار. أين ذهب « الأبد» الذي أوصى عليه الخميني، أن يكون المدى في حرب المسلمين ضد الكفار.
في النهاية سؤالي المفتوح هو:
هل نكث الإيرانيون وصية الخميني؟ أم أن عداء إيران كان مجرد قناع وقد آن الأوان لخلعه؟.