فوزية الجار الله
بمنتهى اليقين أعترف بقصور في مسيرتي القرائية رغم اهتمامي الشديد بالقراءة ورغم أنها الهواية الأولى التي عرفتها منذ أن وعيت هذا الكون بكل ما فيه من زهور وأشواك، جماليات وتناقضات . أقول ذلك لأن ثمة كُتاباً عرباً لم أتعمق في قراءتهم رغم شهرتهم في عالم الثقافة وتميزهم وغزارة إنتاجهم، لسبب أو آخر، ربما يكون من أهم هذه الأسباب هو ميلي الشديد إلى القراءات الإبداعية أكثر بكثير من القراءات النظرية العلمية أو التحليلية، من هؤلاء الكتاب الذين أعترف بتقصيري بالقراءة لهم علي الوردي رحمه الله.
امتدت حياة علي الوردي ما بين عامي (1913- 12 تموز 1995 م)، وهو عالم اجتماع عراقي، أستاذ ومؤرخ وعرف باعتداله وموضوعيته..
لقب بعائلة (الوردي) نسبة الى عمل الجد الاول في تقطير ماء الورد، وهي عائلة عريقة، يعمل أغلب افرادها في السابق بمهنة الصياغة.. قرأت عن سيرة الوردي في أكثر من موضع أدهشني ما بين سطورها ذلك المقطع، أن «علي الوردي» عمل صانعاً في محل عطارة لكنه طرد من عمله لأنه كان يهتم بقراءة الكتب والمجلات ويترك الزبائن، ثم فتح محلاً صغيراً أخذ يديره بنفسه، وقد نال شهادة الدكتوراه عام 1950 ثم عمل أستاذا في نفس العام لعلم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد.
صدر للدكتور الوردي ثمانية عشر كتاباً ومئات من البحوث والمقالات، وقد وجدت كتاباً له بعنوان (أسطورة الأدب الرفيع) وهو عبارة عن مجموعة من المقالات كتبها كما يذكر في مقدمة الكتاب في مناقشة الدكتور عبدالرزاق محيي الدين أستاذ الأدب العربي في دار المعلمين.
لم أكمل الكتاب بعد لكنني توقفت أمام مقطع تحدث فيه عن فكرة الأشهر الحرم قائلاً:
(ابتكرت قريش فكرة «الأشهر الحرم « وهي أشهر أربعة يحرم فيها القتال لأي سبب من الأسباب، وقد وجدت القبائل في هذه الأشهر خير مجال للراحة. فهي تتقاتل وتتغازى ثمانية أشهر من كل عام ثم تتهادن في الأشهر الباقية، فتأتي إلى الحج وهي آمنة لاتخشى ثأراً ولا غزواً.) والأشهر الحرم ليست ابتكاراً لقبيلة قريش كما يقول الكاتب وإنما وجدت بتوجيه رباني من الله سبحانه وتعالى من خلال الآية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (36) سورة التوبة، أما الأشهر الحرم فهي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرّم، رجب.
ثمة أشهر جاء الأمر بتحريم القتال فيها لكننا وياللأسى أصبحنا نعيش عصراً عجيباً امتهنت فيه المبادئ والقيم وبالتالي لم يعد فيه حرمة لزمان أو مكان.