محمد بن عيسى الكنعان
بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد الإرهابي في الربع الأول من العام 2011م، وقيام هذا النظام الدموي بممارسات كل أنواع القتل والتدمير؛ بدأ السوريون رحلة الهروب الجماعي من آلة الموت اليومي، التي لاحقتهم في كل مكان براً،
وجواً، وبحراً، حتى تجاوز عدد اللاجئين والنازحين السوريين حاجز أحد عشر مليون، منهم أكثر من أربعة ملايين لاجئ في المملكة، ودول الخليج، والجوار السوري والدول الأوروبية، وأكثر من ستة ملايين نازح داخل الأراضي السورية. لهذا فقضية اللاجئين السوريين، التي انشغلت فيها وسائل الإعلام العربية والعالمية ليست طارئة أو جديدة، بل هي إحدى أبرز قضايا الثورة السورية.
وبالنظر إلى مسار هذه القضية في إطار الثورة السورية، نجد أن قضية اللاجئين السوريين هي في نهاية المطاف (نتيجة) لسبب واضح وجلي؛ وهو بقاء نظام بشار البعثي، الذي مارس كل أنواع القتل والتعذيب والاعتقال والتدمير حتى سحق البشر والشجر والحجر. وما كان لهذا النظام أن يصمد على مدار خمسة أعوام إلا بسبب الموقف السياسي الغربي الرسمي من الأزمة السورية، المتمثل في منع استخدام القوة العسكرية لإسقاط هذا النظام الدموي كحل لهذه الأزمة، بل ومنع تزويد الجيش الحر بالأسلحة الثقيلة لموازنة كفة القتال مع جيش نظام بشار. هذا الغرب لم يبد أي مبرر مقنع لامتناعه عن إسقاط نظام بشار، رغم أنه أسقط نظام القذافي الذي لم يكن يفوق أو حتى يوازي نظام بشار في الإجرام.
من هنا؛ يمكن فهم التصرف الغربي بالنسبة للاجئين، وكيف استيقظت إنسانيته فجأة لاستقبال اللاجئين، بأنه تصرف يندرج تحت مكر السياسة؛ لتغطية ذلك الموقف المتراخي تجاه نظام مجرم، وهذا ما اختصره صبي سوري مخاطباً أوروبا؛ عندما قال لوسائل الإعلام بلغة الدارجة: أسقطوا نظام الأسد ولا نأتي لدياركم.
وليت الأمر توقف عند قضية اللاجئين، بل إن هذا الغرب أصبح شاهداً على جريمة العصر الكبرى، المتمثلة في تفريغ سوريا من أهلها، والعبث في تركيبتها السكانية لصالح دول إقليمية مثل إيران، التي تعمل على نشر التشيع الصفوي في المجتمعات السنية، من خلال نقل شيعة أفغانستان وإيران والجمهوريات السوفيتية إلى سوريا، وهذا يتضح من حجم اللاجئين الفارين والمهجرين من سوريا، فعدد سكانها قرابة 22 مليونا، منهم أكثر من 11 مليون سوري ما بين لاجئ خارجها أو نازح داخلها. هذا النزوح ليس محدداً بمناطق الصراع والقتال كما يعتقد البعض، بل إن النسبة العظمى من اللاجئين والنازحين خرجوا من المناطق التي يسيطر عليها نظام بشار، ما يعني أن هناك مخطط إقليمي لتغيير التركيبة النوعية السكانية لسوريا، أو مخطط دولي لتقسيم سوريا، خاصةً بعد أن رمى الروس والإيرانيون ثقلهم في الدفاع عن نظام بشار وتعزيز هذا التوجه، حتى أن تقارير دولية تتحدث عن تقسيم سوريا لثلاث دول: (كردية في الشمال والشرق)، و(سنية في الشمال الغربي وتمتد إلى الوسط والجنوب)، و(علوية في الغرب على الساحل وتشمل دمشق وحمص). ولعل إرهاصات هذا المخطط، سواءً التقسيم أو تغيير التركيبة السكانية بدأت مع محاولات الإيرانيين تفريغ منطقة الزبداني وريف دمشق من أهل السنة كحل للقتال الدائر في المنطقة. وعليه فالغرب يتحمل مسؤوليته التاريخية بوقوفه شاهداً على نسف الوجود العربي السني في سوريا.