د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يتوالى بفضل من الله احتفاء بلادنا المملكة العربية السعودية بيومها الوطني، وفي عامنا هذا يلبس متفرداً دون بلاد العالم حلة أخرى حيث يتوافق مع أيام عيد الأضحى المبارك ووقفة عرفة وتحديداً يوم الأربعاء الأول من الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر؛ يقدُمُ هذا اليوم المجيد في حضور تاريخي باذخ لا تُعطى ناصيته إلا لأولي العزم من الرجال الذين ارتبطوا بهذا الفضاء الأشم، وأحاطوه شخوصا تتلمس مواطئ أقدامها على ترابه يستنطقون أعماقهم حوله, وينثرون أرواحهم على كثبانه، ويتجاوبون مع نبض قاطنيه ويمتثلون الإدراك الكامل بأنه وطن مختلف مكانا ومكانة.
بلادنا تحزم عزائم القوة، وتبُاري أوقات الإتمام, فتأخذها غِلابا؛ وتظلّ معاني يومنا الوطني الباذخة هي حزم من الانتماء والولاء بأن ذلك الحضن لا بدّ أن يُبرّ, وأن كل صياغات التمجيد في المكانة والتمكين لابدّ أن يذكر فيها اسمه ؛فوشائج الوطن في بلادنا تضرب بجذور متينة في رِكاز المجد تنزع إلى لأصالة, وترتبط بمبدأ قويم يفيض عدلا وفضلا, ومثالية متصلة بأرواحنا, ومتعلقة بالقيم النبيلة التي دائما ما تكون جديرة بالاحتفاء والفرح وإعلان الاستحقاق الأول والأخير لهذه الأرض لنحملها فوق الهامات, ونباهي بها الأمم, ونتباهى بعزائم الرجال الذين صنعوا ذلك الكيان يقودهم ملك استثنائي فلقها فكان كل فلق كالطود العظيم؛ ذاك هو موحد البلاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله؛ وفي يومنا الوطني المجيد نلتقي عرائس أمجاده، ونُشعل فوق ثراها دروبنا نحو مستقبل لا أحلى ولا أبهى منه بإذن الله ؛فمعاني الوطن والمواطنة شحنات قوية، وطاقات باعثة تتهادى فيها الكلمات فتعلوا عن النسق المعتاد فتشرئب أعناق اللغة مجلجلة، وكأنها تستقبل أنوارا قادمة حين يكون للوطن يومه الذي ولد فيه, وفي ذلك الميلاد تتراءى أمامنا الحلل التي تسوقها هدايا ذلك اليوم فنترنم بها متوجة بكل الفنون، وأبهى الصياغات:
عمت شموس بالأمان ربوعه
فاستبشرت في أرضه الأخيارُ
فيه المناسك والحجيج مشاعر
دامت منائره ودام وقارُ
في عهدكم سلمان بوح سامق
الملك بذل والولاء إيثارُ
نعم، ذاك وطننا مضمار حياتنا، نتقابل في دروبه, ونتواشج في نواحيه، ونشتم رحيق ودّه, ونلتقي في حياضه الجميلة الممتلئة بالحواشي الصحراوية، التي ترحبّ بكل طارق وتتنافس على إكرامه مع سوانح السحب، ووميض البروق، وطاقات الورود الجذلى التي تحيط بالغيد الحسان, وفي ذكرى اليوم الوطني لبلادنا المملكة العربية السعودية تشرق شموس توقد تلك المشاعر, وتلهب ذاك الشعور, تلك هي منابع التنمية الوافرة ومصباتها الغزيرة حيث يتوالى في بلادنا حفز ذلك فاستُصدرت القوانين واستُحدثت التوجيهات والأوامر السامية لصناعة الاستقرار والرخاء للبلاد، وتوفير العيش الرغيد، وحُشدت لذلك الموارد البشرية والميزانيات الضخمة، كما أخذت قنوات الإصلاح ومنصات التنمية فكر القائد المتفائل ,فاتخذت موقعا حفيا على خارطة أولوياته حفظه الله وهو من يملك القدرة أن يُباري أهدافا, وتكتمل على يده تفاصيل، وينظر بعينه الثاقبة لإمكانات وطنه كما هي مكانته في عالم اليوم فيدعم حفظه الله مفاصل العمل التنموي بمن يصنعون الواقع المثالي، ويحسنون استقبال الأفكار ودعمها إيمانا منه حفظه الله أن تلك المحطات ستكون مسترادا لتفاصيل حضارية أخرى، وتحقيقا للخطوات الوثابة التي ينشدها الوطن. فاستُحدثت قنوات تنموية جديدة في كل رقاع الدولة فتحققت قفزات شاسعة، ومسارات قادمة لمستقبل حضاري متألق في التعليم بمساريه العام والعالي حتى قطف طلبة المملكة العربية السعودية باقات التميز في المنافسات العالمية, وكان الحفز وارفا, ثم دنا فتدلّى؛ ومن ذي قبل كان الوصول إلى شفرات المنافسة عالميا إحدى المغامرات المستحيلة, وتبوأت بلادنا في مؤشر الابتكار العالمي مركزا عالميا متقدما وتصدرت الدول العربية في ذلك المجال النهضوي الحافز والمحفّز, ومن القفزات التنموية أيضا التطور المذهل في الصحة والاسكان والتجارة والصناعة والزراعة والنقل، وكان للشباب مفاصل أخرى انشق عنها ليلهم ليبلغوا في النهار أحلاه؛ فكان محيطهم باذخا بكل منتج داعم ومحفز, وكانت حبال الوطن تربطهم، ويشرفون على قوّتها، ويَحدبون على دروبه البراقة فهم في وطن ينبت في العيون, و يحسن بشموخ واقتدار أن يطلّ في وجدان مواطنيه ليمزج تضاريسه ودروبه بأرواحهم، وأصبح ذلك الحراك كله يجوب بلادنا موئل المقدسات، وحاضرة الحرمين الشريفين تلك المقدسات التي تسمّى حكامنا بخدمتها تشريفا، من عهود سابقة إلى عهد ملك الحزم والعزم سلمان بن عبد الزيز، حفظه الله.
وفي يوم الوطن ثمة صوت معنا يعشق الوطن ويغازل رماله، ذلك هو صوت رجال الأمن وجنود الوطن وحماته بعد الله في مفاوزه وحواضره وعلى حدوده المورقة بحكايات الفداء؛ وذاك رصد جدير بالعناية؛ حيث تتصدر الخطاب العسكري في بلادنا الحكمة وفصل الخطاب، فليست بلادنا من دعاة الحروب ولكن جنودنا أشداء حين دواعي الحرب رحماء بينهم حتى أصبحت بلادنا بلاد العزم والحزم، وذاك الذي أصبح وسامهم لمّا أوقدوا عاصفته بحرفنة قتالية عالية، فعندما جاءت ذكرى يومنا الوطني, ازداد واقع بلادنا وجنودنا بسالة, وفي ذات الوقت سما تواشجنا مع السلام وصانعيه وناشديه.
وفي يوم ميلاد الوطن وذكرى قيام كيانه الشامخ لابد أن تكون رحلة الفرح بهذه الذكرى الغالية من محطات سفر مشترَكة البوابات لنسير نحو التلاحم والتآزر والتراحم في كل فضاءات الوطن الغالي، كما أنه لابد أن نسعى إلى تمتين اللحمة الوطنية؛ وأن لا يكون هناك جدل حول مقاصد المواطنة، وأهدافها وأن الأحداث المروعة التي تخاتل أمن الوطن أحيانا ينبغي أن تكون مصنعا لمراكب العبور نحو وطن آمن بإذن الله.
وأخيراً، إن ذكرى اليوم الوطني وأمنه ثنائية سامية وهما ملحمتنا الحاضرة التي نشدوا بها، وتمثّل اتحادنا وتآزرنا إلى الأبد ولله درّ من قال (لك يا منازل في القلوب منازل)
وطني وما أشهى حروفك في فمي
العزّ عزك والولاء قرارُ
لو خيروني في المدائن كلها
عمق افتتاني شمسه وغبارُ