د.عبد الرحمن الحبيب
مهاجر أم لاجئ؟ التسمية الأخيرة ترفضها بعض الدول الغربية لأنها تقلل من احترام الإنسان؛ هل تلك دبلوماسية مفرطة أم «نفاق سياسي» عندما نقارنها بما يتعرض له العابرون بين الحدود الأوروبية من معاناة إنسانية؟ عموماً -وفقاً للأمم المتحدة- يقصد بالمهاجر من ولد خارج البلد..
أما اللاجئ فهو من ترك بلاده نتيجة خوف مبرر من التعرض للاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو القومية أو الانتماء لفئة اجتماعية معينة أو بسبب الآراء السياسية. تقول الأمم المتحدة إن نحو 8 آلاف مهاجر يتدفقون على دول الاتحاد الأوروبي يومياً، غالبتهم يصلون اليونان. ووصل نصف مليون مهاجر، أغلبهم من سوريا ومناطق نزاع أخرى بالشرق الأوسط وأفريقيا، إلى أوروبا هذا العام. هذا التدفق شكل أكبر أزمة هجرة سجلتها التقارير على الإطلاق.
مع هذا التدفق الهائل للمهاجرين تجاه الدول الغربية فإن المنظمات الإنسانية والدولية تحثها على استقبالهم، وتطالبهم بضرورة احترام إنسانيتهم. لكن بين تلك المنظمات وبين ساسة الدول الغربية.. بين لعبة السياسة والمنطق الأخلاقي.. بين المصالح والقيم الإنسانية التي يتغنى بها الغرب، وبين انجراف كثير من الكتابات نحو هذا أو ذاك، نحتاج معرفة رأي الجماهير في الدول الغربية.. ماذا يقولون؟
وفقاً لآخر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في أمريكا وسبع دول أوروبية، فإن ثلثي الألمان، وأكثر من نصف البريطانيين والأمريكيين لهم آراء إيجابية حيال المهاجرين، مقابل خُمس اليونانيين والإيطاليين فقط الذين لهم آراء إيجابية، والربع في بولندا، في حين كانت إسبانيا وفرنسا في الوسط، أقل قليلاً من النصف.
هل يعني هذا أن الدول التي لها مواقف إيجابية تجاه المهاجرين هي أكثر تسامحاً وإنسانية؟ يبدو أن موقف كل بلد تأثر أكثر بحالته الاقتصادية أكثر من الناحية الثقافية والأخلاقية تجاه التسامح. لكن ذلك يحتاج لمناقشة التفاصيل الإحصائية، وسنجد الفروقات تعود لأسباب اقتصادية لكن ثمة فروقات تعود لأسباب ثقافية.
تضم أمريكا أكبر عدد مهاجرين بالعالم (واحد وأربعين مليوناً) حتى يمكن تسميتها دولة مهاجرين، وهي تضم أيضاً أكبر اقتصاد بالعالم له قدرة على استيعاب المهاجرين والاستفادة منهم. ومع ذلك فإن آراء الأمريكان حول المهاجرين مختلطة. نصف (51%) الأمريكيين قال إن المهاجرين يجعلون بلدهم أقوى بسبب عملهم الجاد ومهاراتهم؛ فيما قال 41% إن المهاجرين يمثلون عبئاً لأنهم يأخذون منهم فرص العمل، والسكن والرعاية الصحية.
يصعب مقارنة الرأي العام الأمريكي بالأوروبي، فأوروبا لا تملك الإمكانات الأمريكية وقد تأثرت بشكل أكثر حدة تجاه أزمة اللاجئين، ففي العام الماضي، شهدت أوروبا أكبر زيادة (51%) في حصة اللاجئين استقبلتها أي منطقة في العالم حسب التقارير الأممية. ألمانيا هي المحرك الاقتصادي في أوروبا والأكثر سكاناً، والأكثر في عدد المهاجرين بنحو ستة ملايين مهاجر ولدوا خارج الاتحاد الأوروبي. الرأي العام الألماني هو الأكثر إيجابية بين الأوروبيين، بل أكثر من أمريكا، إذ قال ثلثا (66%) الألمان إن المهاجرين يدعمون اقتصاد بلادهم، في حين قال 29% إنهم يمثلون عبئاً عليهم.
هل الألمان أكثر تسامحاً وإنسانية من غيرهم في دول الاتحاد الأوروبي؟ لا يبدو ذلك، فقد كان موقف الألمان هو الأكثر سلبية بين الدول الأوروبية التي شملها المسح، تجاه المهاجرين عندما يتعلق الأمر بالجريمة، فنحو نصف الألمان قالوا إن المهاجرين يزيدون معدل الجريمة في بلدهم. وكان الألمان الأكثر سلبية في إمكانية استيعاب المهاجرين داخل المجتمع: ستة من عشرة ألمان يرون أن المهاجرين لا يريدون الاندماج في المجتمع الألماني.
على نقيض ذلك، في بريطانيا وجهات النظر تجاه المهاجرين أكثر تناسقاً من ناحية تفاصيل مواقفهم الإيجابية تجاه المهاجرين. بريطانيا هي أيضاً موطن لعدد كبير من المهاجرين (5.2 مليون). حوالي نصف البريطانيين (52%) يرى أن المهاجرين هم مصدر قوة، ورغم أنها نسبة أقل مما في ألمانيا؛ لكن نسبة 20% فقط في بريطانيا ترى أن المهاجرين يتحملون مسؤولة زيادة الجريمة وهي النسبة الأقل أوروبياً. أما من ناحية استيعاب المهاجرين في المجتمع، فقال أقل من نصف البريطانيين (47%) إن المهاجرين لا يريدون الاندماج في المجتمع البريطاني، وهي نسبة أقل كثيراً مما في ألمانيا.
وإذا كان اليونانيون والإيطاليون لديهم الآراء الأكثر سلبية تجاه المهاجرين من الدول التي شملتها الدراسة، فلا ننسى حقيقة أن اقتصاديات البلدين تواجه الركود، وكلاهما يشعر بحدة تأثير موجات الهجرة، وكلاهما أول من استقبل المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط. ففي كلا البلدين، قال حوالي سبعة من كل عشرة إن المهاجرين يشكلون عبئاً. وكلاهما يحمل الآراء الأكثر سلبية عن المهاجرين فيما يخص الجريمة مشابهة لألمانيا، مع ما يقرب من نصف السكان..
هل اليونانيون والإيطاليون هم الأكثر عنصرية؟ اليونان تمر بوضع اقتصادي متردٍ ليست كإيطاليا. تقول مديرة لإحدى الفنادق في الجزر اليونانية التي تستقبل المهاجرين: نحن نشعر بالأسى لهؤلاء المهاجرين ونريد أن نساعدهم، ولكننا أيضاً نعاني من ركود اقتصادي سيئ وانخفاض في مستوى المعيشة، نحن أنفسنا في ورطة، فماذا نستطيع أن نفعل؟
هناك فارق كبير بين موقف اليونانيين والإيطاليين من ناحية استيعاب المهاجرين، مع 77% من الإيطاليين يقولون إن المهاجرين لا يريدون الاندماج في مجتمعهم، وهي النسبة الأكبر بين الدول الأوروبية التي شملتها الدراسة. على خلاف ذلك، كانت نسبة اليونانيين 48% تجاه اندماج المهاجرين في مجتمعهم.
إذا أخذنا في الحسبان أن جميع الدول الأوروبية في الاستطلاع -باستثناء ألمانيا - تعاني من ركود اقتصادي يزيد حدة في اليونان، فإننا نجد أن بريطانيا هي الأكثر قابلية للتسامح مع المهاجرين، وذلك يتفق مع دراسة (واشنطن بوست، 2013) التي أظهرت أن بريطانيا كانت الأكثر تسامحاً عرقياً في العالم. أيضاً اليونان بالنسبة لوضعها أظهرت في بعض التفاصيل أنها أكثر تسامحاً مقارنة بكثير من دول أوروبا..
يظل أهم عامل هو النمو الاقتصادي فقد أظهرت العديد من الأبحاث علاقته الإيجابية مع التسامح تجاه المهاجرين. العنصرية تتفاقم في المجتمعات التي تؤججها الأزمات الاقتصادية، خاصة عندما يقال إنّ الأجانب يحصلون على وظائف المواطنين.. يزيدون معدل الجريمة.. يهددون هوية البلد.. التسامح ليس فقط فضيلة أخلاقية بل أيضاً منفعة اقتصادية للبلد..