عمر إبراهيم الرشيد
حين ألف عالم الفيزياء والمفكر الأمريكي مايكل هارت كتابه (العظماء المائة في تاريخ البشرية) وضع من ضمنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كونه وضع أسس الامبراطورية الإسلامية وواصل الفتوحات الإسلامية حتى أسقطت القوتين العظميين في ذلك الحين، الامبراطورية البيزنطية وفارس. إضافة إلى تأسيس الدواوين الحكومية ونظام المقاطعات والمدن العسكرية وغير ذلك مما يلزم لتأسيس الدول،
مفيدًا بعبقريته من الأنظمة الإدارية الفارسية والرومانية ما أمكنه ذلك. كل ذلك وغيره مما أحدث نقلة كبرى للدولة الإسلامية في سنوات معدودة حتى غدت القوة المهابة في تلك الفترة، إضافة إلى أن عمر رضي الله عنه نفسه قد انقلبت شخصيته من معاد للدعوة النبوية ولشخص النبي صلى الله عليه وسلم، إلى قوة للإسلام ومناصر له مما أحدث تغييرًا في ميزان القوة لصالح المسلمين والدعوة النبوية في العموم، وهذا ما حدا بالمفكرين على مر التاريخ ومنهم مايكل هارت إلى اعتبار عمر رضي الله عنه إحدى الشخصيات التي أحدثت تأثيرًا كبيرًا على مسيرة البشرية بدءًا بمجتمعها. مؤلف الكتاب (العظماء المائة في تاريخ البشرية) مايكل هارت وضع الفاروق رقم 51، علمًا بأنه وضع النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أولهم، وهو أمريكي يهودي بالمناسبة، لكن موضوعيته كونه أكاديميًا وعلمانيًا على أية حال جعلته يوف سيد البشرية حقه، وعمر الفاروق منزلته. على أنه قد يعترض بعضنا على موضوعية المؤلف وكتابه إجمالاً، باعتبار وضع النبي محمد وعيسى عليهم الصلاة والسلام والفاروق مع إسحاق نيوتن واينشتاين وبقية قادة العلوم والمخترعين إنما هو إساءة لمقام الرسل والأنبياء على اعتبار أن مكانتهم لاتضاهيها مكانة أناس عاديين فكيف بمن لا يعبأ بدين.
هذه الأيام تعيد إحدى قنوات فضائنا العربي المتخم بها عرض مسلسل (عمر)، وهو عمل ضخم ومعتبر وله إيجابياته في عرض سيرة الفاروق بطريقة عصرية ودرامية مشوقة، كما أن عليه ملاحظات عدة، على أنه لاقى اعتراضًا على إظهار شخصية عمر بواسطة ممثل لها، مما يخشى أن تخدش صورة الممثل صورة الفاروق في أذهان البعض خاصة النشء، ومقام الصحابة الكبار عمومًا وعمر رضي الله عنه من أوائلهم لا يمكن لشخص في عصرنا هذا أن يجسدها. إلا أن الملاحظ لهذا العمل أن مقدمة المسلسل تركز على مشاهد القتال والدماء والسفك، ومعروف أن مقدمة أي عمل تلفزيوني أو سينمائي إنما هي عنوان له ولفحواه، فهل كانت سيرة الفاروق قتالاً وسفك دماء؟!. ونعلم جميعًا ما يلحق بصورة الإسلام في وقتنا الحالي جراء ما يقترفه بعض من ينسبون أنفسهم إليه جهلاً أو عدواناً معطين بذلك الأعداء والمتربصين الفرص تلو الفرص للنيل من هذا الدين السمح العظيم. وإنك تعجب حين تشاهد مقدمة مسلسل (عمر) وتركيزها على مشاهد القتال والسيوف لا غير، وكأنها تعزز الصورة المشوهة في أذهان بعض غير المسلمين عن الإسلام وأنه انتشر بحد السيف، أو أن عمر رضي الله عنه فاتك سفاك للدماء على سبيل المثال. وللصورة والمشاهد الدرامية تأثير بالغ على المتلقي في الغالب إلا من يمتلك خلفية ثقافية تمكنه من الفرز والتدقيق وهذا لا يتوفر للكثيرين خاصة الشباب والنشء بل وحتى بعض الكبار، خصوصًا أن مسلسل (عمر) عرض في تلفزيونات عالمية عدة في تركيا وماليزيا واليابان وغيرها إضافة إلى البلدان العربية. سيرة عمر الفاروق بها العدل والرحمة، وفيها الفراسة والعبقرية، وبها الشعر والأدب والسياسة والإدارة، وأرجعوا إن شئتم إلى كتاب مايكل هارت (العظماء المائة في تاريخ البشرية)، كل عام وأنتم بخير.