رمضان جريدي العنزي
نعيش اليوم في العالم تقلبات السنوات الخداعات، التي يؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، ويُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويفتي في أمور الدين الشارد والوارد، سنوات ظهر فيها علينا أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، نراهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية،
تماسيح بشرية خبيثة من ذوات الوجوه الزئبقية، ثعالب طعنونا في ظهورنا، ويحاولون بيعنا بثمن بخس في أسواق النذالة السياسية، والردائة الأخلاقية، والخيانة الاحترافية، بعد أن انحرفوا عن المسارات الوطنية الثابتة، فكانوا أول من وقفوا مع الأعداء، واصطفوا معهم، وأول من تطوع مع مشاريعهم الخبيثة، وطموحاتهم السقيمة، فالتحقوا في صفوفهم، وتسابقوا في تقديم فروض الخنوع والخضوع والتواطؤ، وركضوا طويلاً في بورصة الولاءات الرخيصة، المعلنة لصالح أعدائنا والطامعين بنا، طابور طويل من الجبناء المتخاذلين بعضهم فقد مروءته ورجولته وشهامته، وبعضهم الآخر فضل الصمت والتعامي والسكوت، واختار الهروب من المواجهات والتحديات الخطيرة التي تحيط بنا أرضاً ووحدة وأمة، ولم يكترثوا بالتجاوزات العدائية العديدة والكثيفة المحدقة بنا، أحياناً أصاب بهوس كبير حينما أرى بعض الأفراد الذين كنا نحسبهم مهمين وفاعلين وأمينين ومخلصين ووطنيين ودعاة خير وسلام وربانيين، وهم يتحدثون بحزن على الفضائيات وأحياناً بعصبية وانفلات لسان، ويذرفون الدموع على الدمار الحاصل في بلاد الآخرين، لكنهم في الوقت نفسه لم يعيروا اهتماماً واضحاً للخطورة الزاحفة نحونا، وللتتر المجانين الجدد، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدفاع عن حدودنا، التي يريد الأعداء التهامها، بل ينكمشون على أنفسهم كما تنكمش الزواحف في ليالي الشتاء الباردة، كبيات شتوي طويل، ويدسون رؤوسهم بالرمل كما يفعل النعام، يتحذلقون كثيراً في أطروحاتهم البليدة، وتنظيراتهم الباهتة، ورؤاهم البائدة، وفتاواهم القاصرة، وتفسيراتهم الخاطئة، ويبتعدون كثيراً عن مواطن الخطورة التي تحيط بنا قصداً وعنوة، ويبخلون علينا بكتابة بضعة أسطر، أو إقامة ندوة، أو محاضرة، أو تجمع، عن الأعداء الذين يحاولون اغتيالنا، وذبحنا من الوريد إلى الوريد، وهدم نسيجنا المميز، ووحدتنا الفريدة، ورمينا في الأودية المظلمة السحيقة، بل لا يتطرقون للذين يريدون اختزالنا، وتعليق رقابنا كلنا على مقاصل الإعدام، ولو على استحياء، والأغرب من ذلك أنهم يعرفون أدق التفاصيل عن مشاريع وخطط وأهداف وإستراتيجيات هؤلاء الأعداء، لكنهم يتجاهلون ذلك، ويحاولون ألا يكون لهم شأن به، ولا يريدون التحدث عنه، بل يمدحونهم على خفية، لكن هؤلاء المتعامون الصامتون الساكتون النائمون، نعي جيداً بأنهم يعملون بامتياز تام ضدنا، ويحاولون تهميشنا وتسفيهنا وتسطيحنا وتكميمناتعتيمنا وتخويفنا وترويعنا بالأقوال والخطابات والأحاديث الممنهجة المؤدلجة الصفراء، والحركات الاستعراضية البهلوانية السركية الكبيرة، لقد فقدوا قيمهم، وأصالتهم، وضاعت مبادئهم، وتاهت أخلاقهم، فلم يعد أحد يشعر بهم الآن، أو يهتم بهم، أو يلقي لهم بال، بعد أن تكاثروا بيننا كالخلايا السرطانية الخبيثة عندما كانت التربة والسماد والهواء والماء صالحين لنموهم، لقد شوهوا مجتمعنا وبلادنا زيفاً وكذباً وخداعاً ونفاقاً وتملقاً وتلوناً ردحاً طويلاً من الزمن، ومثلونا أسوأ وأبغض تمثيل، حتى بانت وجوههم الحقيقية وتكشفت بوضوح بعد أن زالت عنها الأقنعة، لقد تعددت مواقف خذلانهم، وخياناتهم، وغشهم، وتدليسهم، وخداعهم، وها هم الآن يتعرون أمامنا بكل وضوح وتجلي، يراهم الأعمى قبل البصير، ويميزهم المجنون قبل العاقل، وأن حاولوا تبديل جلودهم القديمة بجلود جديدة، وثيابهم الرثة بثياب مزركشة، وأضافوا للغتهم بعض المفردات كمحسنات بديعية، وعلى الرغم من ذلك لن يخذل الشرفاء الكثر بلادهم أبداً، وستبقى بلادنا أقوى البلدان وأصلبها وأثبتها، وأطهرها أرضاً وماءً وتربة، وأقدمها جملة وتفصيلاً، وسيذهب الناعقون نحو الخرائب العتيقة، يشاركهم البوم والغربان غير مأسوف عليهم ولا يحزنون.