عبدالعزيز السماري
سيكون من الصعب فهم ما يجري في سوريا في المرحلة الحالية، بعد أن قررت روسيا الدخول إلى سوريا من أجل مناصرة نظام الأسد، ومساعدة دمشق في الصمود ضد هجمات الثوار، وجاءت تصريحات لافروف ضد حكم السنة في سوريا ضمن مشروع إذكاء الصراع الطائفي في المنطقة، وسبقهم في ذلك القرار الأمريكي في العراق، والذي قرر أن يسلم السلطة للشيعة الإيرانيين، والتي بدورها أشعلت فتيل الطائفية في العراق، وكان الخاسر الأكبر فيها العرب بمختلف طوائفهم.
في أوج الأزمة الطائفية، يأتي الدب الروسي ليتحدث في الطائفية، وليشعلها من جديد في سوريا، بعد ممانعة روسيا لحكم السنة في العراق حسب تصريح لافاروف، ويظهر في المشهد أن المستفيد هما دولة إسرائيل ودولة الملالي في إيران، والتي أصبحت تقود المفاوضات والمعارك ضد الثوار في سوريا، بعد أن تحول النظام الأسدي إلى مجرد دمية تدافع عنها القوى الشيعية ممثلة في إيران وحزب الله.
المفارقة أن المتحدث باسم الكرملين أعلن بعد قدوم روسيا إلى سوريا، عن الاتفاق على تعاون روسيا مع إسرائيل بشأن سوريا، وبذلك انضمت إسرائيل رسمياً إلى محور المقاومة الذي كان يتحدث عنه حسن نصر الله مطولاً في كل مقابلة يجريها على قناته الخاصة، واتضح أن المقاومة موجهة ضد الثوار العرب في سوريا لمصلحة نفوذ إيران وإسرائيل، ولكن: هل يدرك حسن نصر الله ذلك؟
ما يجري في سوريا هو استفزاز للمعتدلين من السنة العرب، وسيزيد من اشتعال الإرهاب في المنطقة، فالغالبية السنية لن ترضى أن تكون تحت سيطرة الملالي في إيران في الشرق العربي، وعلى الشيعة العرب ألا يصطفوا مع التأجيج الطائفي في المنطقة، فالهدف هو تمزيق الصف العربي، وأن يدركوا أبعاد اللعبة الدولية، فالحرب في سوريا ستكون ضارية، وسيكون التدخل الروسي دعوة لاستقطاب المقاتلين من مختلف الاتجاهات.
لكل حراك تاريخي قراءة أيديولوجية، فالقدوم الأمريكي إلى العراق كان يهدف إلى إشعال الطائفية في المنطقة، والآن يأتي الروس إلى سوريا، ويتحدثون عن تحالف جديد مع إيران والعراق ونظام الأسد وإسرائيل، وكأنهم بقدومهم هذا يريدون إكمال المشروع الأمريكي في الشرق العربي في الظاهر، لكن الواقع يقول إنهم قدموا لمساعدة دمشق والقوى الإيرانية ضد هجمات الثوار العرب وقرب انتصار ثورتهم.
ما يجري في سوريا يصب في مصلحة إسرائيل أولاً، فالغرض منه ألا تحكم ضفتي شرق وجنوب المتوسط أيديولوجية متحدة، ولهذا السبب كان دائما الخيار أن تحكم سوريا أقلية دينية، وبالتالي تكون تحت سيطرة مصالحها السياسية، وتعلمنا من التاريخ أن تحرير فلسطين يبدأ من السيطرة على ضفتي المتوسط من قبل المسلمين، فكان النصر لصلاح الدين، ثم كان للظاهر بيبرس، ولم يصل الغزو الخارجي إلى فلسطين في ظل الخلافة العثمانية المسيطرة على ضفتي المتوسط.
ما أود الوصول إليه أن القوى الدولية تفكر في الشرق الأوسط من خلال مصلحة إسرائيل، ولهذا السبب هم يدعمون التواجد الإيراني في المنطقة من أجل سيطرة الأقليات على الشام، تماما مثلما كان الحال في زمن الغزو الصليبي، وما يغيب عن دولة الملالي في إيران أنها مجرد أداة لضرب العمق العربي ولتمزيقه إلى فرقاء، وبالتالي تصبح إيران وإسرائيل القوتين الإقليميتين الأهم في المنطقة، بعد خروج مصر من المعادلة.
ما كتبته أعلاه هو القراءة المحتملة عند أغلب العرب السنة، فالوضع يرفع من أسهم القراءة الأيديولوجية للأحداث بعد تصريح لافروف ضد السنة وإعلان تعاون إستراتيجي مع إسرائيل في سوريا، ويزيد من درجة المأزق الطائفي، والمنطقة مرشحة لمزيد من المواجهات الطائفية العنيفة، والله المستعان.