د.إبراهيم بن عبدالله السماري
في يوم الخميس حيث ترفع الأعمال إلى الله عز وجل ويبدأ الصائمون يومهم الفاضل ودعنا الشيخ سعد بن سعود العريفي (عايش) وإن فقده لفاجعة الفواجع، وإنا والله لمحزونون وإن الحزن ليضرب أطنابه؛ فلا نقول إلا ما يرضي الله ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون). أجل فنحن لم نفقد شخصاً ولا رجلاً فحسب بل فقدنا إنساناً، عرفناه ذا خلق سمح وأدب رباني عذب وكرم لا تحده حدود، كان مبادراً إلى المواساة حينها، لم يتغد يوماً في بيوته أو مزارعه في حضر أو سفر وحده، ولم تكن رعايته لأهل بيته وحدهم، ولم يعهد منه بائقة من إيذاء أحد، فلا يتكلم عن الآخرين أياً كانوا إلا بخير، بل كان خير الناس لأنه أنفعهم لهم، أنعم الله عليه فشكر وبذل، وواجهته عقبات الحياة فصبر، قليل هم الرجال الذين يكفيك سمتهم للحكم عليهم بالفضل وهو واحد منهم، هذا الإنسان الفاضل كان لا يمل حديثه لأنه مبرأ من أشواك رذائل اللسان، عرفته عن طريق جاري عبدالرحمن البجادي ثم تأكدت معرفتي بمصاهرة واحد من أسرتهم الكريمة فكنت أراه الديمة المحملة بالخير إن لم ينلك خيرها لم تحرم ظلها، ملك الناس بأخلاقه وبشيء وقر في صدره يلهج به لسانه وتصدقه أفعاله ومهما قيل في أهمية أي خلق من الأخلاق النبيلة؛ يظل سلامة الصدر سيداً لها جميعاً فكأني أرى في سيرته رحمه الله تطبيقاً للحديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) وهل أكمل من إنسان يسع الناس بهذا وذاك كما كان الشيخ سعد؟ فقد كان محباً للخير لكل الناس معيناً عليه في كل حال، متقرباً لله في كل حين وسيفقده محراب مسجده في الرياض ومكة وأبها وسيفقده حق الفقد محبوه وهم كثر ومن طالتهم يد نعمائه وهم أكثر.
عايش العريفي - رحمه الله - سطر صفحات مضيئة من البر بوالديه في حياتهما ثم بعد مماتهما في إخوانه وصديقهما ومن يصل لهما بصلة، واشتهر عنه في هذا المجال مواقف مضيئة بالنبل أقرب إلى الخيال في زمن الماديات وازدحام التطلعات والطموحات وبقي محافظاً على قيمه النبيلة فلم يتجرد من تواضعه الجم ولا من بره بمن حوله لحظة واحدة حتى عندما أقبلت عليه الدنيا بحذافيرها وحيزت له ورودها.
كان ولاؤه لوطنه وأهل وطنه مضرب مثل فاتخذ في مكة المكرمة سكناً للعبادة يتردد عليه في المواسم، واتخذ في أبها سكناً للمصيف فلا يغادر وطنه، وفي فعل الخير حرص - رحمه الله - على الأنفع أثراً والأكثر أجراً فكان مثلاً مضروباً في فعل الخير يستشهد على الخير به.
عايش العريفي كان حريصاً أشد الحرص على أن يحسن وفادة عباد الله ومثله حري أن يحسن الله وفادته بكرمه ومنه، وبشارات الخير فيه تتالى، ولعل أوضحها من الشواهد حب الناس لهذا الرجل بما يشبه الإجماع، فلا تكاد تجد أحداً يبغضه لأنه كان محباً للناس وكان بهم رحيماً رؤوفاً ولا عجب أن يكون أول من بكاه خدمه والعاملون عنده، فإذا رحل هذا الفاضل من دنيانا الفانية فتلك سنة الله في عباده، وسيظل مذكوراً ولن يرحل من القلوب بإذن الله فالمحسنون من القلوب لا يرحلون.
نبني لهم غرفاً في القلب حنيناً، وفي الوجدان امتناناً، وفي اللسان دعاء، وفي العمل براً؛ فهذه أساسات غرف الجنة.
أحسن الله عزاء أهله ومحبيه وجماعته وجماعة مساجده وكل محب للخير فقد فقدناه كفقدكم لأنه كان لنا ولكم، وكان لنا أوفر الحظ والنصيب من ابتسامته وبشاشته وطهارة قلبه وصادق دعواته فحق علينا وعليكم أن نخصه بدعوات ظهر الغيب فاللهم اغفر لعبدك الحبيب عايش، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا أرحم الراحمين. وإذا كان الفقد مؤلماً فلن ننسى أنه يحرك مشاعر تزيد الحب حرارة وتوقد الوفاء اشتعالاً فتقترب القلوب أكثر. رحم الله الوالد عايش العريفي فقد جمعنا حياً وميتاً على الوفاء. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.