اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إذا كان الحسد على النعمة يعتبر طبعًا نسبيًّا في الناس يقاومه الكرام، ويستسلم له اللئام؛ فإن الشماتة بالنقمة من طبائع اللئام، وينفر منها الكرام، والحسد والشماتة وجهان لعملة واحدة، وهاتان الرذيلتان إذا ما اقترنتا بالعداوة
استحكمت حلقاتها واستفحلت آفاتها، ولا مجال لمقاومتها بالحيلة دون استخدام الوسيلة، وهذا الوصف ينطبق أشد الانطباق على النظام الصفوي في إيران وردود فعله على أحداث مكة ومحاولة تسييسها، وتسييس المآسي دليل على الإفلاس السياسي، وفيه ما يدل على أن وسائل الإعلام الظالمة عادةً ما يسبقها ممارسات آثمة، والأقوال الماكرة يُحَضَّر قبلها أفعال غادرة، وهذا نتيجة طبيعية للعداوة الموروثة، وما لها من بعد طائفي ينطلق من نزعة شعوبية وحالة مذهبية، يتخذ منها سلَّمًا يصعد عليه لتحقيق أهداف سياسية ومآرب توسعيَّة، ومهما غلَّف عداوته بالتقية والنفاق السياسي؛ فإن معالمها واضحة في أكثر من مكان، وآياتها فاضحة على طول الزمان، وذلك من خلال تجنياته القولية وجرائمه الفعلية التي ترتب عليها الإخلال بأمن المنطقة، وزعزعة استقرار دولها بسبب ما يصدِّره إليها من أنواع الإرهاب، ويزرع فيها من صنوف العذاب.
ودعاة الشر وأعداء المروءة والدين في كل زمان ومكان إذا رأوا خيرًا ستروه وإن رأوا شرًّا أظهروا، ولن تجدهم إلا حاسدًا على نعمة أو فرح بمصيبة؛ بحيث يجدون اللذة في زوال نعم الآخرين والتشفِّي عند المصائب والشماتة أثناء النوائب، وهو خلق تأباه النفوس الكريمة وتتلذذ به النفوس اللئيمة، كما هو الحال بالنسبة لوسائل الإعلام الحاقدة التي تدار من قِبَل إيران والأذناب الذين تخلقوا بخلق هذا الإعلام ونحُوا نحوه من رافضة لبنان ومجوس اليمن. ومن طبع العدو الحاسد أنه دائمًا يتربص بمحسوده فإن لم يجد فيه سبيلاً إلى وهن، وسببًا إلى طعن.. احتال لذلك بحسب ما ركب عليه طبعه من الخبث واحتواه صدره من الضغينة والحقد، حتى أن شغله الشاغل هو أن يخلص إلى زلة أو يصل إلى غفلة، متصيِّدًا الأخطاء ومتشبثًا بالمعنى الحقير والسبب الصغير ليذكر المثالب ويغطي المناقب، وكما قال الشاعر:
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا
شرًّا أذاعوه وإن لم يعلموا كذبوا
وسقوط الرافعة في الحرم المكي، والتدافع الذي حصل من قبل بعض الحجاج في أحد شوارع مشعر منى، وما نجم عن ذلك من وفيات وإصابات، كان لهذين الحادثين وقع مؤلم، وأثر موجع على المستوى الرسمي والشعبي بالنسبة للمملكة، كيف لا والموتى والمصابون هم ضيوف الرحمن والمملكة هي المسؤولة عن خدمتهم، وموقفها حيال ما حدث هو وجوب احتمال المصيبة في النفس وقبولها والصبر عليها، والتوجع والتأثر من جرَّاء ما أصاب ضيوف الرحمن إلى حد الجزع، كما قال علي بن أبي طالب: جزعك على مصيبة أخيك أحمد من صبرك، وصبرك على مصيبتك أحمد من جزعك، وفي كلتا الحالتين فإن مآل المصائب كما قال نصر بن سيار: كل شيء يبدو صغيرًا ثم يكبر، إلا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر، والمعوَّل عليه هو كيفية معالجتها والحد من تداعياتها والاستفادة منها، وأخذ الخبرة والعبرة لضمان عدم تكرارها، والشر لا بد في طياته من الخير، وقد قال أحدهم: بالنار يمتحن الذهب وبالمصيبة تمتحن القلوب الكبيرة، وكما قال الشاعر:
لا تكره المكروه عند نزوله
إن المكاره لم تزل متباينة
كم نعمة لم تستقل بشكرها
لله في طيِّ المكاره كامنة
وبالنسبة لسقوط الرافعة.. فقد أُعلنت نتائج التحقيق فيه، وصدرت الأوامر السامية بذلك، ولم يظهر هناك قصور أو تقصير بهذا الشأن، عدا بعض الجوانب الفنية التي لولا العاصفة ما كان لها أثرًا ولا تأثيرًا، أما حادث مشعر منى فلا يزال التحقيق جاريًا فيه، وحجم مأساته تتناسب مع حجم موسم الحج والمهام الجسام والمسؤوليات العظام المرتبطة بهذا الموسم، ومن غير المناسب الحديث عن أي قصور أو تقصير حتى ظهور النتائج النهائية، والاهتمام بالأمر من قبل أعلى سلطة، والمبادرة بإصدار الأوامر إلى الجهات المعنية بعمل ما يلزم نحو إحقاق الحق وإظهار الحقائق لها مدلولها وسوف تفعل مفعولها، وفي الحالتين فإن القضاء والقدر لهما الغلبة، ولا سلطة لأحد أمام قدرة الله وسلطته، وقد قيل: إذا حان القضاء ضاق الفضاء، وقال أحد الحكماء: إذا كان القدر حقًّا فالحرص باطل، وفي الحديث: لا يغني حذر من قدر، وقد قال الشاعر:
إذا كان أمر الله أمرًا يُقَدَّرُ
فكيف يفر المرء منه ويحذر؟!
وقال آخر:
يسعد ذو الجدِّ ويشقى الحريص
وليس لخلق من قضاء محيص
ورغم أن الشماتة خلق مذموم في كل شيء، فإنها في المصيبة والمرض والموت من أقبح الخصال وأرذل الرذائل، وعلاوة على ذلك فإن هذه الحالات قضاء وقدر، والقضاء والقدر على هذا المستوى لا تستقيم الشماتة معه، ولا طريق لها إليه، ولكن بعض وسائل الإعلام المسعورة والأبواق المأجورة، لا تؤمن بالقيم ولا مكان للفضيلة في تعاملها، ناهيك عن الدين، حيث تمادت في التشفي من المملكة والشماتة بها إلى الدرجة التي دفعت بعض الموتورين إلى تسييس المأساة واستغلالها والعزف عليها بأنغام هابطة، وكان الأولى بالجهات التي تدير هذه الوسائل الإعلامية، وتقف خلفها أن تواسي أو تعزي، بدلاً من التجنِّي على المملكة والنيل من جهودها في خدمة الحرمين وخدمة الحجاج والمعتمرين، والعمل المستمر على تمكين ضيوف الرحمن من أداء فريضة الحج بيسر وسهولة، والاعتراف بالخير يقي من الشر، وشكر النعمة يزيدها، والتقليل مما تبذله المملكة على هذا الصعيد ضرب من الجحود والكنود، فتوسعة الحرمين وتطوير المشاعر وأماكن النسك وجميع مرافق الحج والسهر على خدمة الحجيج وتسخير الإمكانات البشرية والمادية لهذه الغاية لا ينكرها إلا مكابر حاسد أو منافق معاند، وإيران والتنظيمات الدائرة في فلكها لا يستغرب عليها ذلك، فالذي يخدم المساجد ليس كمَنْ يعطلها ويعظِّم المشاهد، والذي يبنيها ليس كمن يهدمها، ومَنْ يعمرها بالعبادة، ويشعر فيها بالسعادة بعيد كل البعد عن مَنْ يجعلها مأتمًا ويعمرها بلطم الخدود وإشباع السياط من الضرب على الجلود، ورصيد هؤلاء القوم في خدمة الحجاج وسلامتهم وأمنهم يشهد عليه تاريخ القرامطة وبئر زمزم والحجر الأسود، وقد قال الشاعر:
سجايا كلها غدرٌ وخبثُ
توارثها أناسٌ عن أناسٍ
وللتدليل على حرص المملكة على سلامة الحجيج وأمنهم.. فإنه خلال ما يقارب الأربعة عقود من الزمن ومن بين أكثر من سبعين مليون حاجًّا، لم يتجاوز عدد الوفيات خمسة آلاف حاج بما نسبته 0.00007% وهي نسبة تشبه المعجزة، إذا أخذنا في الاعتبار أن بعض المتوفين من كبار السن، أو توفي بصورة طبيعية، ويستدل من ذلك على ما يتوفر للحجيج من عوامل السلامة، وتأديتهم مناسك الحج في بيئة آمنة لا تقبل المقارنة من حيث روحانيتها وسلامتها وأمنها مع أي تجمع بشري في أي مكان آخر، وزيارة العمرة التي لا تنقطع طول العام جعلت السنة كلها موسمًا للحج، مما يضاعف الجهود ويضع المملكة ممثلة في مؤسساتها الأمنية ومرافقها الخدمية في حالة استنفار من الحج إلى الحج.
ودولة إيران الباطنية ليس لها وزن يذكر في المحيط الإسلامي الذي يرفض أنانيتها العنصرية ونزعتها الشعوبية وبدعتها المذهبية، ويكفي المملكة أن المصابين بعمى في الألوان وعمه في البصيرة بالشكل الذي يحول بينهم وبين رؤية وإدراك الإنجازات العظيمة والخدمات العميمة التي تقدمها المملكة لضيوف الرحمن ما هم إلا نسبة قليلة، وعمى بصرهم وعمه بصيرتهم يقابله رؤية فاحصة وبصيرة مبصرة من قبل دول العالم الإسلامي التي تتجلى أمامها الجهود المخلصة والأعمال الخيِّرَة، ورغم هذا فإن التحرز من سفلة الناس هدف يصعب الوصول إليه، والتحفظ من ألسنة السفهاء أمر تستحيل القدرة عليه، ومن طبع الأعداء وأهل الأهواء من أرباب المعاندة وهواة المكابدة تغطية محاسن مَنْ عادوه، وإظهار مساوئ من عاندوه، والأخيار دائمًا محسودة أفعالهم ومتبعة أحوالهم، ولا يرمى إلا الشجرة المثمرة، وكما قال الشاعر:
ما يضر البحر أمسى زاخرًا
أن رمى فيه سفيه بحجر
وقال الآخر:
إن الرياح إذا اشتدت عواصفها
فليس ترمي سوى العالي من الشجر