عمر إبراهيم الرشيد
عندما اجتاحنا طوفان تقنية الاتصال وفي فترة زمنية قصيرة جداً في عمر المجتمعات وتطورها بل وعلى حين غرة ودونما تهيئة اجتماعية وثقافية وتربوية كافية، أحدث هذا الطوفان التقني الهائل تغييرات في مختلف المجالات، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي وخطير كذلك. لاجدال في أن التقنية فيما يخص تسهيل الحياة وإنهاء المعاملات الحكومية والتجارية والخدمات وغيرها مما يفيد الناس ويقضي حوائجهم إنما هي
نعمة يجب حفظها بالشكر لله تعالى، ثم تقدير من ابتكرها وحفظ حقوقه أيا كان.. لكن ما جلبته تقنية الاتصال من برامج التواصل الاجتماعي على اختلاف أصنافها وأشكالها، وهي كما يعلم كل عاقل أنها وسائط ذات حدين كمثل السكين أو المشرط، يستخدمه المجرم في جريمة القتل، ويستخدمه الجراح في استئصال ورم مميت من جسد إنسان لينقذ حياته.
أقول أحدثت هذه البرامج نقلة مهولة في طرق التواصل في مجتمعنا كما وفي كل المجتمعات، لكن في مجتمعنا وهذا مايعنينا هنا، نقلة هائلة حقيقة إنما تنطوي على سلبيات بل وإفرازات اجتماعية وفكرية استيقظنا على نتائجها المفجعة في السنوات الأخيرة، وأخطرها جرائم التطرف والإرهاب وقتل الأبرياء وخيانة الدين والوطن. إن سؤالاً للنفس وبكل تجرد وعقلانية، هل ستتوقف عجلة حياتنا لو تم تجميد أو تعطيل هذه الوسائط في المملكة بل وفي دول الخليج كلها؟، كونها مشمولة بهذه الهجمة الشرسة من أعداء ومن جيران بل ومن بعض أبناء جلدتنا، ممن تم غسل أدمغتهم وتضليلهم وهم في أعمارهم الغضة وبداية سيرهم على دروب الحياة. هل سينتشر بين أفراد مجتمعاتنا الاكتئاب والوساوس والوهن والخمول ونفقد تواصلنا وحميميتنا الاجتماعية؟.. أم أننا سنعود إلى رشدنا أو بعضه وتعقلنا أو شيء منه، وتعود مجالسنا الأسرية والاجتماعية إلى طبيعتها بدل هذا التدابر والبرود الاجتماعي لانغماس كل فرد رجلاً كان أو امرأة، شاباً أو طفلاً، في جهازه وهاتفه يستقبل الغث والسمين والإشاعة والخبر والكذبة والحقيقة، دونما قدرة على الفرز والتريث والتثبت إلا من رحم ربي.
لقد أتاح هذا الفضاء التقني لكل من هب ودب أن يفتي في كل فن ويكتب ما يشاء بل وينسب إلى نفسه جهد غيره، بما أتاحته تقنية القص واللزق، كما شرعت الأبواب لأي كان أن يسيء استخدام هذه الوسائل بما تمليه عليه نفسه المريضة في القذف والاتهام والسب، أو لمجاميع للتناحر والحرب الإلكترونية بدوافع قبلية أو طائفية. وكما قلت بدءاً، هذا ليس تعميماً، فإن لدينا من يروم الخير والنفع للوطن والناس، في إسهام راقٍ في كل مجال.. ولكن حين تصل النيران إلى الباب فلابد من التضحية وأمن الوطن والمجتمع فوق كل اعتبار.. وكما يقال في الأزمات تولد الفرص، ويعلم الجميع أن منطقتنا تمر بأحرج المراحل، والقدرات الدفينة تظهر حين الشعور بالخطر، ولعل ظروفنا الأمنية من تهديد موجه للدول الخليجية ومنها المملكة، والحملة العربية بقيادة المملكة لدحر العدوان على اليمن الشقيق، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الدقيق، كل هذه وغيرها تشكل تحدياً وفرصاً في نفس الوقت لوقفة مراجعة وتفكير خارج الصندوق وإجراءات (ضرورة) فللضرورة أحكام. ولعل من أهمها تجميد وسائل التواصل الاجتماعي هذه ولو مؤقتا فلعل شيئاً من هدوئنا وتعقلنا وحياتنا الاجتماعية تعود الينا، وحتى يتم دحر المخربين وكل من يسعى للنيل من أمن وطنه وتدمير مجتمعه ونشر الخراب فيه عن طريق هذه الوسائل التي هي الموصلات الآمنة والخفية بين خلايا التخريب والتدمير، وحتى نعبر هذه الظروف الحرجة بإذن الله ثم بعد ذلك تتم اعادة تقييم هذه الوسائل وتقنين عملها وتهيئة المجتمع لذلك. وليبق ما ينفع الناس من تقنية تسهل معاملاتهم وتحجم البيروقراطية المعطلة، وتفيد وتسهم في نشر الوعي وزيادة المعرفة، والله غالب على أمره.