عبدالعزيز السماري
تمر العلاقة بين بعض من نماذج السلطة وشعوبها في المشرق العربي بمرحلة شديدة التنافر، فالكراهية والانتقام أصبحت تحكم تلك العلاقة، والنتيجة ما تبدو عليه الأرض العربية من تمزق وانقسام ودمار، ودرجة الكراهية الشعبية مرشحة للارتفاع بعد قدوم الغزاة ليقفوا بجانب غطرسة الحاكم الذي يأبى أن يتراجع عن موقفه الدوني لشعبه، فهو يعتقد أن هذا الشعب الذي كان يحكمه بالحديد والنار لا يستحق أن يعيش، فما بالك أن يشاركه في الحكم، وأنهم حثالة من الإرهابيين الذين يستحقون الموت ببراميل البارود.
لو راجعنا سير بعض الحكام العرب في العالم العربي لاتضحت الصورة، فالغطرسة والاستبداد كانا يمثلان سمات سائدة في سلوك بعض الحكام العرب في العصر الراهن، فقد كانوا يعتقدون أنهم القدر المحتوم ليحكموا شعوبهم بالقوة المفرطة، وقد ظهرت تلك السمات في الرئيس العراقي صدام حسين، وفي تصرفاته التي وصلت إلى درجة غير معهودة، فهو فقط من كان يستحق الصفات والأسماء الحسنى، ومن يستحق بناء الرمزية المطلقة في الميادين، وكان ذلك التعسف المهووس بالغطرسة سببًا في وصول الشعب العراقي إلى ما صل إليه من كراهية شديدة للرئيس السابق، كان ثمنها العنف والطائفية وقدوم الغزاة.
لا يختلف الأمر كثيرًا في سوريا، فقد كان الرئيس الأسد مهما اختلفت الأسماء يحكم بمنطق لا رحمة فيه مع الشعب السوري، فكان يسحق كل حراك اجتماعي سياسي بلا هوادة، ويرفض لغة الحوار، وكان الثمن وصول عدد القتلى في الحرب الأهلية الحالية إلى مئات الألوف، وإلى قدوم الغزاة من إيران ولبنان تحت غطاء طائفي بغيض، وكانت الحلقة الأخيرة شر ختام لسيرته الغارقة في الكبرياء، بعد وصول الغزاة لإنقاذ الطاووس من الموت المحتوم في قصره.
لم يكن معمر القذافي يرى شعبًا على أرض ليبيا، بل مجموعة من الجهلة الرعاع، فقد كان يتصرف بغطرسة من نوع آخر، وكأنه المثقف الذي جاء بنبوءة الخلاص العربي من التخلف، وكان يبشر بأطروحته السقيمة عن النظرية العالمية الثالثة، ووصلت العلاقة بينه وبين شعبه إلى أقصى درجات الكراهية، بعد أن تمزقت أحشاؤهم بسبب سلوك الحقران التي كان يمارسه ضدهم، وكانت النهاية بقدر تلك العلاقة، بعد أن مزقوا جسده إلى الموت، ولتبدأ مرحلة يسودها العنف الذي كان إفرازًا لمرحلة الغطرسة وكبرياء الجهل.
النرجسية صفة أساسية للحاكم المستبد والمتغطرس، وتتميز بالهمجية وفرط الحساسية تجاه آراء الآخرين، واحتكار الإيجابية والإنجاز للذات، وإسقاط النوازع السلبية والعدائية على المختلف الذي لا ينتمي للاتباع، فتجده يبالغ في إنجازاته وحسناته، ويتوقع من الآخرين أن يمجدوه ويبالغوا في تقديسه، والسادية من جهة أخرى سمة لازمة أيضًا للاستبداد الفاشي، وتعبر عن سلوك عدواني وعنيف وقاس تجاه الآخرين من أجل تحقيق السيطرة في العلاقات معهم.
لا يمكن لعلاقة بين حاكم وشعبه تقوم على الكبرياء والغطرسة أن تؤدي إلى سلام دائم واحترام متبادل، فاحتقار الشعوب وعدم الشعور بالمسؤولية لتلبية مطالبهم في التنمية وثقافة الحقوق دائمًا ما تولد سلوكًا يتسم بروح الانتقام، وتسوده مشاعر الكراهية التي قد تؤدي في نهاية الأمر إلى تمزيق الأوطان وتشريد الشعوب في شتى بقاع الأرض مثلما يحصل في سوريا، ومثلما حصل قبل ذلك في إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية.
فلسفة التواضع لا تعني في جميع الأحوال تنازل الإنسان الحاكم إلى من يعتقد أنهم دونه منزلة وقدرًا، ولكن تعني أن الإنسان الحاكم يتواضع لأنه يدرك أنه لا يختلف عنهم في الشأن والذات، وأنه في مهمة تاريخية، ويتحمل مسؤولية كبرى في إصلاح الشأن العام والخاص، وأن الأوطان تتكون من أرض وشعب، وأن لهم حقوقًا وعليهم واجبات، وأنه له حقوق وعليه واجبات، والله المستعان.