محمد بن عيسى الكنعان
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، قررت الولايات المتحدة الأمريكية غزو أفغانستان بدعوى القضاء على الإرهاب العالمي، الذي يتزعمه تنظيم (القاعدة) بقيادة أسامة بن لادن ويتخذ أفغانستان مقراً له، حيث قامت بذلك الغزو في أكتوبر من نفس العام بعد حصول الإدارة الأمريكية على قرار من الأمم المتحدة يجيز لها ذلك،
خاصةً أن حركة (طالبان) التي تحكم أغلب أراضي أفغانستان ماعدا الجزء الشمالي الشرقي؛ قد رفضت تسليم بن لادن للإدارة الأمريكية؛ بحجة أن المسلم لا يُسلّم لكافر.
وكانت حركة (طالبان) التي يقدر عدد مقاتليها بحوالي 40 ألفا؛ قد نجحت في السيطرة على حكم أفغانستان العام 1996م، بعد دخول العاصمة كابل، وإعلان الإمارة باسم: (إمارة أفغانستان الإسلامية). إلا أن الرؤية المتشددة لدى هذه الحركة في التعامل مع القضايا السياسية، وضعف الموارد الاقتصادية، وسوء الأحوال المعيشية، وخلافها المستمر مع الحركات والأحزاب الأفغانية الأخرى؛ جعلها في مواجهة عسكرية مباشرة وغير متكافئة مع القوات الأمريكية والقوى المتحالفة معها من دول غربية وعربية وإسلامية. فنجحت الولايات المتحدة بإسقاط نظام الإمارة الإسلامية لـ(طالبان) خلال شهور قليلة.
قارن الحالة الأفغانية ونهاية هذه الحرب السريعة بسقوط نظام (طالبان)، بحالة مشابهة وهي الحالة السورية، وتحديداً في الحرب المعلنة والقائمة ضد تنظيم (داعش) من قبل أمريكا والتحالف الدولي. حيث أعلن الأمريكان ابتداءً أنها ستكون حرباً طويلة للقضاء على (داعش) الإرهابي، وهذا لم يقولوه عندما هموا بغزو أفغانستان وإسقاط (طالبان)! كما أن حربهم ضد (داعش) لم تحقق شيئاً على الأرض حتى الآن. وهنا تتحدد المقارنة أكثر بأكثر من سؤال؛ كيف أمكن للقوات الأمريكية والقوات الغربية المتحالفة معها، فضلاً عن إيران التي عملت مع الأمريكان بالسر، كيف أمكنهم إسقاط نظام (طالبان)؟ وهم بالأساس طلاب شريعة خرجوا من شرائح الشعب الأفغاني، وتأسست حركتهم العام 1994م، وتتكون من 40 ألف مقاتل، وجميعهم من مذهب واحد، ويحملون جنسية واحدة، وينتمون لثقافة اجتماعية واحدة، ولا يوجد خلاف بينهم وبين حاضنتهم الشعبية، ويعرفون بلدهم بتضاريسه الوعرة أكثر من غيرهم، كيف سقطوا خلال بضعة شهور؟ رغم أنهم كانوا حينها أمام شعبهم والعالم نظاماً سياسياً، وليس تنظيماً إرهابياً، بحيث يمكن أن يكون في مرمى الآلة الإعلامية العالمية. ناهيك أن أفغانستان لا يوجد بها قواعد أمريكية أو تعج بمراكز الاستخبارات الغربية.
في المقابل؛ نجد أن (داعش) تنظيماً إرهابياً أمام العالم وشعوب المنطقة العربية، ما يعني عدم وجود حاضنة شعبية له، وأفراد التنظيم لا يتجاوزون في أحسن أحوالهم 30 ألفا، وهم من جنسيات مختلفة، وينتمون لثقافات متباينة، ولا تعرف خلفياتهم التاريخية، وأغلبهم لا يعرف الأرض السورية، فضلاً عن أن تضاريس سوريا والعراق ليستا وعرة كأفغانستان، ما يعني عدم قدرتهم على الاختباء، وسهولة قصفهم، وانكشاف تحركات أفراد التنظيم لغارات طيران التحالف. وبالذات خطوط الامدادات بين (داعش) العراق في المواصل و(داعش) سوريا في الرقة. إضافة على ذلك أن الأمريكان وجدوا في العراق منذ العام 2003م، وسيطروا عليه، وشيدوا فيه قواعد لهم، ومعتقلات للمقاومين، وانتشر رجال استخباراتهم في أرجائه، قبل ظهور تنظيم (داعش) العام 2010م، ثم تحول جزء منه إلى سوريا العام 2012م. ما يعني أن هذا التنظيم كان تحت بصر وسمع الأمريكان والإيرانيين منذ نشأته، فهل يعقل أنهم لا يستطيعون القضاء على هذا التنظيم الإرهابي؟ أم أنهم تركوه (بعبعاً) لتخويف شعوب المنطقة، أو عامل ابتزاز للأنظمة العربية؟ أو وسيلة شيطانية لتفتيت منطقتنا العربية إلى دويلات هشة. إن قطع الإمدادات والاتصالات كفيلة وحدها بخنق (داعش)، فلماذا يتركون هذا التنظيم الإرهابي بأرتاله العسكرية وراياته السوداء يتحرك بحرية تحت أقمارهم الصناعية؟ الجواب في طيات الأحداث الجسام التي تنتظرها الأمة العربية، وفي عقيدة المصالح الإمبريالية الأمريكية بدلالة سكوت الأمريكان وموافقتهم على قدوم الروس إلى سوريا بهذا الحجم العسكري.