حمّاد السالمي
يتداول المتابعون لما يجري من حوادث خطيرة اليوم في الشرق الأوسط وعموم العالم.. يتداولون بكل خوف ووجل؛ تصريحات جديدة منسوبة لمستشار الأمن القومي ووزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق (هنري كيسنجر)، الذي قال فيها: إن كل هذه الصدامات والحوادث؛ هي إرهاصات لـ (حرب عالمية ثالثة). ومما قال في حديث أدلَى
به لصحيفة [ديلي سكيب]: (إنّ نُذُر الحرب العالمية الثالثة بدت في الأفق، وطرفاها هما الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى. إن ما يجري الآن هو تمهيد لهذه الحرب التي ستكون شديدة القسوة؛ بحيث لا يخرج منها سوى منتصر واحد هو الولايات المتحدة)..!
وسواء أصاب أو أخطأ هذا السياسي الشهير الذي يلقب بـ (ثعلب السياسة الأميركية)، إلا أن الأوضاع في منطقتنا على وجه خاص؛ خطيرة للغاية، وأن كل دولة في هذا الكون اليوم؛ معنية بما يجري بيننا من قريب أو بعيد، ولو وقع الصدام الكبير بين القوى الكبرى لا سمح الله، فلن يسلم أحد على وجه الأرض من الضرر الذي سوف يتجاوز بكثير أضرار الحربين العالميتين الأولى والثانية.
إن الحروب الكبرى عادة ما تُسبق باستقطابات سياسية وعسكرية وعرقية ومذهبية، وهذا واقع بشكل جلي اليوم أكثر من ذي قبل، وإذا ما أضفنا إلى هذا عامل الإعلام الذي أصبح شريكاً بل صانعاً للحوادث، وما توصل إليه العالم في ميدان التقنية وصناعة أدوات الحرب الفتاكة، فإن للخوف من حرب عالمية ثالثة ما يبرره في هذا الوقت.
شهد العالم في أوائل القرن العشرين؛ عدداً من التطوّرات السياسيّة والعسكريّة، التي أدّت إلى اشتعال الحرب بين الدّول الكبرى التي انضمّت إليها معظم دول العالم، والّتي عرفت بالحرب العالمية الأولى، وسمّيت بهذا الاسم؛ لأنّ أكثر دول العالم اشتركت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد تسبب التوسع الاستعماري في نشوء الحرب، إلا أن السبب المباشر كان على أثر أزمة دبلوماسية نشبت حينما أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب على مملكة صربيا بسبب اغتيال ولي عهد النمسا (الأرشيدوق فرانز فرديناند) مع زوجته؛ من قبل طالب صربي يدعى (غافريلو برينسيب (أثناء زيارتهما لسراييفو في 28 يونيو1914م)، وهذه الأزمة السياسية أدت لظهور التحالفات الدولية على مدى العقود السابقة، ففي غضون أسابيع؛ انتشرت القوى الكبرى في جميع أنحاء العالم. وشرارة الحرب المدمرة التي بدأت من (سراييفو)، كانت نتيجة لأسباب أخرى كثيرة منها: (نمو النزاعات القومية، وبناء القوة الحربية، والتنافس على المستعمرات، والتحالفات العسكرية). في هذه الحرب الكونية تم حشد (70 مليون مقاتل) من قوات الحلفاء من أوروبا ودول المركز - ألمانيا والنمسا - والدولة العثمانية، قتل منهم (9 ملايين مقاتل) مع نهاية الحرب في 11 نوفمبر 1918م، هذا خلاف المدنيين، ومع هذه النهاية المفجعة؛ انتهت إمبراطوريات (ألمانيا، وروسيا، والنمسا المجرية، والدولة العثمانية).
لم يمض سوى عقدين من الزمان؛ حتى نشبت حرب عالمية ثانية أكثر ضراوة من سابقتها. أسباب الحرب العالمية الثانية لم تختلف كثيراً عن الأولى، لكن في سنة 1929م؛ برزت أزمة اقتصادية عالمية حادة، أتت بأنظمة سياسية دكتاتورية في بعض البلدان، فكانت ألمانيا هتلر التي تطلعت للسيطرة على كل العالم. بدأت الحرب عندما اجتاحت ألمانيا بولندا في 1 سبتمبر 1939م وانتهت في 2 سبتمبر 1945م. وقد شارك في هذه الحرب معظم دول العالم في حلفين متقابلين هما: قوات الحلفاء، وقوات دول المحور، وقد شارك فيها (100 مليون مقاتل)، قتل منهم (50 إلى 85 مليون مقاتل) عدا المدنيين، أي ما يعادل (2.5%) من سكان العالم أوان ذاك. ونتج عن هذه الحرب خسائر بشرية ومادية كبيرة، وتغيرت خريطة العالم، وبرز على أثرها قوتان عظيمتان هما: (الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأميركية)، وانحسر نفوذ القوى الأوروبية، ومهدت لحرب باردة دامت لأكثر من 46 سنة، ومن أهم نتائجها: قيام هيئة الأمم المتحدة، وظهور سباق غير معهود في الصناعات الحربية والتسلح، انتقلت عدواه حتى إلى الدول الصغيرة.
روسيا تبدأ معركة حربية جديدة في سورية تحت عنوان القضاء على الإرهاب الذي تقوده جماعات متأسلمة متطرفة تتقدمها داعش، ومما يبدو لي؛ أن الروس أخذوا تفويضاً مدفوع الثمن وغير معلن من الولايات المتحدة وأوروبا ودول في المنطقة، لدحر التطرف والإرهاب الذي وصل إلى عواصم كثيرة في كل القارات، ودق أبواب كل الدول بما فيها روسيا التي يقاتل من مواطنيها مع داعش أكثر من ألفي إرهابي، وهذا ما حذرت منه المملكة العربية السعودية عقب مؤتمر جدة الذي أسس للتحالف الدولي لحرب داعش أغسطس 2014م. كان هذا في لقاء (الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمة الله عليه) مع سفراء معتمدين وقناصل عدة دول في 30 أغسطس 2014م بُعيد عقد المؤتمر حيث قال: (خطر الإرهاب سيمتد إلى أمريكا وأوروبا ما لم يتحد العالم في محاربته).
لقد امتد الإرهاب ووصل إلى كل عواصم أوروبا التي ارتعدت خوفاً منه، وفزعت أشد الفزع من موجات الهجرة، حتى أصبحت البنية السكانية الأوروبية وثقافتها في خطر عظيم من ملايين البشر الهاربين بجلودهم من سورية والعراق، ومن شعوب آسيوية وأفريقية كثيرة.
الأوربيون أخذوا الأمر بشكل جدي، بعد تخاذل الولايات المتحدة وتردد أوباما، ولأنه لا جيش على الأرض إلا الجيش السوري، وروسيا هي صاحبة تسليح هذا الجيش، ولها علاقاتها الخاصة مع سورية الأسد، فهي وحدها القادرة على خلط الأوراق على الأرض، وإعادة الأمور إلى نصابها، ثم يكون بعد ذلك ما يكون.
أما إذا نشبت حرب عالمية ثالثة لا سمح الله؛ فسوف يبوء بإثمها التطرف المتلبس بالإسلام بشكل عام، والجماعات الإرهابية المتأسلمة التي جلبت العار والقوى الكبرى للمنطقة، وسوف يحترق بنارها كل أخضر ويابس، ويُخسف بالمتطرفين والإرهابيين قبل غيرهم، فهاهي النذر تتوالى، وهاهي الحشود تترادف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أَرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ جَمْرٍ
فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ضِرَامُ
فَإِنَّ النَّارَ بِالْعُودَيْنِ تُذْكَى
وَإِنَّ الْحَرْبَ أَوَّلُهَا كَلَامُ
لِئَنْ لَمْ يُطْفِهَا عُقَلَاءُ قَوْمٍ
يَكُونُ وُقُودُهَا جُثُثٌ وَهَامُ