لبنى الخميس
نعيش في مجتمع صحراوي تلّفه أسوار إسمنتية عالية ويحيط به الصمت والغموض.. ما يجعل خروج قصة مثيرة بمقياس «الفضائح» الأزلي القائم على كشف زلات الآخرين ونشرها على نطاق اجتماعي واسع من قلب تلك البيوت الساكنة إلى العالم الافتراضي.. مادة دسمة ولقمة سائغة.
وهذا بالضبط ما حدث مع قصة الزوجة السعودية التي قررت أن تصور زوجها وهو يمارس تحرشه الجنسي بالخادمة في قلب مطبخ منزلها.. وتنشره عبر منصات التواصل الاجتماعي.. التي استقبلت المقطع بمزيج من الصدمة والاستنكار لموقف الزوجة وقرارها غير المدروس بنشر الفيديو والتشهير بزوجها تحت دوافع انتقامية.
فقد تناول المجتمع الفيديو على طريقة «الهاشتاق» الذي أصبح بمثابة تيرمومتر اجتماعي يقيس وعي المجتمع ومدى تطور فكره واتساع آفاقه أو العكس.. ولعلي الخص ردود الأفعال تجاه هذه القضية بثلاث نقاط أساسية أولاها:
- نحن مجتمع شديد التناقض، تحرم فئة كبيرة منه الاختلاط، وتحذر من شروره ليل نهار، في الأسواق والمطاعم ومقرات العمل، بل وتطالب تلك الفئة في كثير من الأحيان بإنشاء مستشفيات وأسواق نسائية حتى لا يختلط الرجال بالنساء وتقع المعاصي والمفاسد التي يحذرون منها رغم ادعائهم أننا مجتمع محافظ وفاضل.. لكن هؤلاء يتكتمون ويتجاهلون الاختلاط الواقع في المنازل نتيجة تواجد الخادمات والسائقين داخل البيوت السعودية.. ما يفضح انتقائية صارخة في نوعية الاختلاط الذي يحرمونه وطبيعة ظروفه ومسبباته. فلا ضير أن تركب المرأة مع سائق آسيوي مجهول الخلفية والنوازع والدين، لكنها تمنع من قيادة السيارة خوفاً عليها من الاختلاط بالرجال في الشوارع، أو الوقوع في فخ التحرش! ولا مانع أن يختلط الرجال بالخادمات الأجنبيات، في حين أنهم يحذرون من أن يختلط بالمشفى أو المتجر ببنات وطنه من الطبيبات أو البائعات والكاشيرات.
- لطالما لاحظت محاربة النساء للنساء.. وممارسة المرأة هواية الجلد المعنوي لأختها المرأة.. والتقليل من قيمتها والتشكيك بحكمتها ورجاحة عقلها.. تحت دوافع ومسببات مختلفة.. وهذا ما تجلى في ردود الأفعال النسائية التي انتقصت من موقف الزوجة أولاً، وبررت فعلة الرجل المشينة بافتراض تقصير الزوجة معه، ما دفع شهوته للانفلات والتحرش بالخادمة.. دون أن يتحدثن عن بشاعة فعلة التحرش ذاته الذي يعد عالمياً جريمة فاضحة يستحق مرتكبها السجن عشرات السنين، نظير الآثار النفسية والجسدية المدمرة التي تقع على الضحية، لكنها في مجتمعنا في أحيان كثيرة لا تأخذ هذا الزخم من الرفض والاستنكار، بل يتم المرور عليها ببساطة مع دعاء بالهداية والمغفرة للرجل.. لهؤلاء أقول مبدية اعتراضي على فعلة المرأة مع تفهمي لدوافعها، ما أسهل أن نحكم على الأشخاص وننظّر أخلاقياً، لكن تكريسنا لرمي أخطاء الرجال على أكتاف النساء، سيجعلنا ندفع ثمناً اجتماعياً باهظاً يوماً ما، بالوقوف وحدنا في حال التعرض لمواقف مشابهة.. فكما يقول المثل الشعبي: «ما يونس النار إلا واطيها».
- برزت مطالبات حثيثة من قبل المشاركين في الهاشتاق بإنصاف الزوج المشهر به.. ومعاقبة الزوجة التي لم تأخذ بعين الاعتبار قيم الستر، ولم تلق بالاً لردة فعل أبنائها بعد مشاهدة الفيديو من قبل الملايين من الناس.. وكل تلك المطالبات مشروعة، خصوصاً أن نشر الفيديو في مواقع التواصل من قبل تلك الزوجة لن يحل المشكلة بل سيزيدها سواءً.. ويترك أثراً أبدياً في نفوس الأبناء.. لكن غاب الحديث تماماً عن انتشار حالات التحرش بالخادمات التي لم ترق لمستوى الظاهرة -ولله الحمد- لكنها في حالة تصاعد ينذر بمشكلة اجتماعية حقيقة، فسجن الوافدات التابع للجوازات يستقبل خادمات هربن من كفلائهن بسبب التحرش الجنسي، وبعض البيوت تتحدث باستحياء عن قصص موثقة عن ممارسات من هذا النوع.. ما يجعل الحديث عن هذا الموضوع، والتوعية به بغاية الأهمية، وسن عقوبات تحت قانون التحرش الذي لايزال موضع أخذ ورد أمر ملحّ لا يقبل التأجيل.
أخيراً.. هذه المواقف التي تطرأ على المجتمع ويتم تداولها على نطاق واسع في تويتر تمنحنا فرصة ذهبية للتعرف على نقاط ضعفنا ومواطن عجزنا.. والتعلم من المواقف والدروس لرسم «خارطة وعي اجتماعي» نحن بأمس الحاجة له عبر المنابر الإعلامية والتعليمية المختلفة.. للتقليل من هذه القضايا وبناء ثقافة فكرية سليمة تحترم الجنسين، وتمنحهما حقوقهما دون تقديم العيب على الحرام، أو رفع منزلة العادات والتقاليد فوق منزلة القانون بصفته رادعاً للمخطئ ومنصفاً للمظلوم.