سمر المقرن
وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابق ومستشار الأمن الأمريكي هنري كسينجر يزاحم نجوم (هوليود) في مطاردة وسائل الإعلام له، والبحث عن تصريحاته التي ما إن يطلقها حتى تملأ الدنيا وتشغل الناس، كونه يكاد يكون أعلى عقل سياسي موجود على ظهر هذا الكوكب في عصرنا الحديث - من وجهة نظري الشخصية -، مع ملاحظة أنه جنرال حرب عالمي يتحدث ويناور لصالح دولته أولاً وأخيراً مع الاحتفاظ بنسبة معينة من المصداقية.
الحديث الأخير لهنري كسينجر ضرب وزلزل في كل مكان وكل وسيلة إعلامية، على الرغم من أنه ليس جديداً - فقد صرّح بكلام قريب قبل حوالي ثلاث سنوات، والذي يبدو لي أنه حلم يهذي به إما لوقائع ودلائل أو أنها «هذيان» رجل مسن، حيث زعم أنّ ما يحدث الآن هو مناوشات بداية الحرب العالمية الثالثة وأنها آتية لا محالة، بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى.
ثعلب السياسة العالمي ظهر وتحدث وناور كرجل أمن أمريكي، بل إنه شتت أنظار العالم عما تريد فعله أميركا بشكل دقيق وحقيقي، شدد على ضرورة ضرب إيران وتوغل إسرائيل بكل قوة تستطيعها في الأراضي العربية مع قتل أكبر عدد ممكن من العرب - حسب قوله خذله الله -، ثم تبجّح كما هو حال دولته عندما تتبجح كشرطي للعالم، وقال: يجب أن تنتصر أميركا في هذه الحرب لكسر شوكة الدب الروسي والتنين الصيني وهددهما برؤية ترسانة سلاح أمريكية لم تكن معروفة من قبل، كما أنه يريد احتلال المزيد من دول الشرق الأوسط خصوصاً من خلال السيطرة على النفط العربي، هذا «البترول» الذي تحوّل عيون الأمريكان عند ذكره. حديث العجوز اليهودي المتغطرس «الهارب من ألمانيا خوفًا من النازيين»، يخلط أوراق نظرية المؤامرة التي يسوّق لها ساستنا العرب بين أميركا وإيران أو يهولون منها كون أن أميركا وإيران دولتان تنظران لمصالحهما عبر العقل، وليس عبر العاطفة كما يفعل العرب وساستهم، الكلام الذي يصرح به الساسة الأمريكان ليس عبثًا وليس للاستهلاك المحلي، ويجب أخذه على محمل الجد وتحليله وفحصه بدقة، وبالذات ما يصرح به هذا العجوز المحتال، ما بين ثنايا وسطور تصريحه المثير للهلع والجدل، تحدٍّ واضح وثقة مفرطة بما وصلت إليه أميركا من تسليح وتكنولوجيا مدمرة قد خفيت عن العقل البشري المعاصر!
إن تجاوز التكنولوجيا الأمريكية في التسليح للعقل البشري لم يعد سراً خفياً بل أصبح سراً مخيفاً، مثلما كان العقل البشري لا يستوعب ولا يُمكن أن يصدق بأنّ الجيش الأمريكي يتواصل صوتاً وصورة عبر الشبكة العنكبوتية قبل خروجها من الخدمة العسكرية وتحويلها لمشروع تجاري في متناول الجميع وتصل إلى جميع البيوت، الرسالة المبطنة التي أوصلها (كسينجر) للعالم أن هناك ( أمريكا) خفيّة تمتلك ترسانة تفوق ما يتصوره العقل البشري!