د. أحمد الفراج
اختلفت الآراء في عالمنا العربي حول تدخل روسيا في أرض الشام، فمن أقصى اليمين، هناك من يرى غزوا صليبيا يستحق إعلان الجهاد، إلى أقصى اليسار، إذ هناك من يرى روسيا منقذا للشعب السوري، وتضيع الحقيقة بين تخرص هؤلاء وأولئك، ولكن المؤكد هو أن أرض الشام كانت ولا تزال مستباحة، فقد عاثت فيها قوى أجنبية، على رأسها حكومة ملالي طهران، وعميلها حسن نصر الله وحزبه الإرهابي، علاوة على شذاذ الآفاق من عصابات القتل والترويع، كتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن التدخل الروسي سيكون حلقة في سلسلة تثوير سوريا، ومن يعلم، فلربما كان هذا التدخل هو أفضل الخيارات المتاحة، في ظل تقاعس العالم، وبالذات الولايات المتحدة، وهوما أدى إلى أن يكون الضحية هو المواطن السوري، والذي لا يراودنا شك في أنه يبحث عن أي حل، يعيد له وطنه، وكرامته، وأمنه واستقراره، بعيدا عن مزايدات الساسة، إذ كلما رأينا مناظر الدمار، والموت، والدماء في سوريا، نتذكر على الفور تلك الأبيات المؤلمة للشاعر العظيم أمل دنقل: «عندما ينغرس الخنجر في صدر المرح..ويدب الموت في ظل الجدار..حاملا مبخرة الرعب لأحداق الصغار..أعطني القدرة حتى لا أموت».
سوريا، أيها السادة، لم تكن ضمن مشروع التثوير العربي الأوبا-اخواني، وهو التثوير الذي خلاف أحلام الثائرين المشروعة في مصر وليبيا وتونس، أريد له أن يستبدل حالة سيئة بحالة أسوأ، وبالتالي فقد حصل فيها ما لا يخطر على بال بشر، فقد كانت ثورة سوريا ثورة حقيقية ضد الظلم والطغيان والفاشية، ولأنها كذلك، قد تم التآمر عليها من قبل النظام السوري الفاشي، وأسياده في طهران، ومن معظم القوى الدولية في الشرق والغرب، اذ عملت مخابرات النظام ومخابرات داعميه على خلق معارضات وهمية خادعة، وتأسيس ودعم منظمات ارهابية متوحشة، من شاكلة تنظيم داعش، وذلك بهدف خلط الأوراق، وتشويه ثورة الشعب السوري، والتي دعمها شرفاء العالم، وبالتالي فقد تم خداع العالم، المتردد أصلا بدعم هذه الثورة، بأن نظام الأسد الفاشي يحارب الإرهاب !!، ولا نقول: إن حيلة النظام انطلت على العالم الغربي الحر، فهو لم يكن متحمسا أصلا لدعم ثورة لم يتم التخطيط لها !!.
أعيد وأكرر بأنه في حالة الأزمات المستعصية والمؤلمة، كما في حال الوضع السوري، يكون هناك هدف واحد: «إنهاء المأسأة بأي شكل من الأشكال»، وطالما أن إيران وعصاباتها تزيد من المأساة، وطالما أن العصابات الإرهابية، مثل داعش وغيرها، تواصل عمليات القتل والتهجير والدمار في سوريا، فإن التدخل الروسي قد يكون هو أهون الشرور، وذلك في ظل تنصل الولايات المتحدة من مسؤولياتها على المسرح الدولي، وما يهم معظم الشعب السوري في هذه المرحلة هو أن يتوقف القتل والدمار والتهجير في سوريا، اذ وصل الحال إلى الدرجة التي أصبح فيها الحادي في بلاد الشام يردد، مخاطبا كل قاتليه، وكل الذين شوهوا ثورته: «يا قاتلي إني صفحت عنك.. في اللحظة التي استرحت بعدها مني.. استرحت منك.. لكنني أوصيك إن تشأ شنق الجميع.. أن ترحم الشجر.. لا تقطع الجذوع كي تنصبها مشانق.. لا تقطع الجذوع.. فربما يأتي الربيع والعام عام جوع!!».