محمد سليمان العنقري
شهد الأسبوع الماضي حراكًا كبيرًا من وزارة الإسكان لعرض توجهاتها القادمة ورؤيتها لحلول ملف الإسكان، حيث التقى معالي وزير الإسكان وكبار مسؤولي الوزارة بالمطورين العقاريين باجتماع نظمته الغرف التجارية تلاه العديد من التصريحات إضافة إلى توقيع عقود إيصال الكهرباء لمخططات المنح مع وزارة الكهرباء، ويبقى الأهم هو ما بدأ يلمس من التوجهات القادمة عبر تركيز التصريحات حول الرؤية العامة للوزارة التي ستتوج بإعلان الإستراتيجية بإطارها المتكامل خلال الأسابيع القادمة.
ففي اللقاء مع المطورين وما تبعه من تصريحات قال الوزير، إن الوزارة لن تقوم بدور المطور وهو ما طالب به الكثير من المختصين منذ سنوات عندما كانت الإسكان تمارس هذا العمل نظرًا لتشعباته وصعوبته بينما حدد في تصريحه بأن السوق يحتاج إلى 1.5 مليون وحدة سكنية حاليًا وللأعوام القادمة، أي أن الرسالة للمطورين مفادها أن أمامكم فرصة ذهبية لتنشيط القطاع وتحقيق أهداف عديدة فيها مصلحة للجميع وللاقتصاد عمومًا، أي أننا مقبلون على مرحلة سيتجاوز فيها حجم نشاط سوق الإسكان أرقامًا قد تفوق تريليون ريال على أقل تقدير للسنوات العشر القادمة، وبذلك فإن فرصة قطاع التطوير العقاري ستكون كبيرة ليكون أحد أكبر القطاعات الاقتصادية تأثيرًا بالناتج المحلي والنمو فيه خصوصًا أن رؤية الوزارة تتجه للشراكة مع القطاع الخاص بالجوانب التنظيمية والتشريعية وتوسيع قنوات التمويل لإيجاد منتجات يقدمها المطورون تلائم شرائح واسعة من طالبي السكن.
لكن على الرغم من مثالية هذا التوجه وهو ما نعلم أن دولاً عديدة تقوم به بأشكال مختلفة لكن يبقى لبعض التصريحات من الوزارة دورها في إثارة أسئلة ملحة وأساسية تتمحور حول الآليات التي تتركب منها معادلة توفير السكن الملائم جودة وسعرًا لشريحة واسعة من طالبي السكن التي قدرها الوزير بحدود 60 في المائة ممن هم على قوائم الانتظار بالصندوق العقاري والبالغ عددهم 1.3 مليون مواطن، أي أن 780 ألف طالب سكن لا يمكنهم أن يجدوا المسكن الملائم من حيث السعر قياسًا بدخلهم حتى لو حصلوا على قرض الصندوق البالغ 500 ألف ريال بسقفه الأعلى ولن تكون المشكلة لدى هذا العدد بل ستبقى حالة مستمرة نظرًا لأن الدخل سيبقى ضمن حدود تكرر نفس الحالة لمن سيبحثون عن تملك السكن مستقبلاً، لأن أسعار المساكن إذا بقيت بنفس المستويات، فتغير الدخل لن يكون بمرونة سريعة لاعتبارات عديدة ومسلم بذلك عالميًا حيث لا تطرأ تطورات كبيرة على دخل الموظفين بفترات زمنية قصيرة لذلك تبقى أسعار السلع والأصول أكثر مرونة بالحركة من الدخل للفرد.
فالتوجه نحو حل مشكلة غير القادرين على تملك السكن بحلول بالجانب التمويلي قد يساعد البعض حاليًا ولكن لن يشكل الحل الإستراتيجي الحقيقي لأنه سيصبح كالمسكنات في مجمل حجم طالبي السكن وهو ما يقودنا للتركيز على نقطتين أساسيتين ذكرهما وزير الإسكان، الأولى بأن خفض الأسعار قد لا يكون هو إستراتيجية الوزارة ويفهم منه أن تركيز الوزارة على توفير حلول التملك السريعة، لأن خفض الأسعار له معايير مختلفة قد يكون الوصول لها يأخذ وقتًا بحسب وجهة نظر الوزارة تفوق مدته الوقت الذي يمكن بذله لمعالجة حلول التملك السريعة، ويمكن أن يفهم منه إعادة توجيه الرأي العام بأن رسوم الأراضي في حال تطبيقها وأي حل من هذا القبيل لن يخفض الأسعار سريعًا. إلا أن ذلك يناقض أيضًا التوجه العام للوزارة لزيادة التملك فإما أن تباع الوحدات على طالبي السكن بأسعارها التي تفوق قدراتهم وتسد الفجوة بزيادة التمويل مما سيؤدي إلى احتمالات قوية لمواجهة متاعب مالية للمقترضين لأن سنوات السداد طويلة وستأكل جزءً كبيرًا من الدخل وسيبقى أسير قرض مرهق ولن يتمكن من التوسع بالإنفاق على باقي التزاماته الأساسية، وهذا سيكون له دور سلبي بالنمو الاقتصادي لأنه سيزيد من تآكل الطبقة الوسطى ولذلك فإن زيادة التملك تتطلب خفضًا للأسعار بنهاية المطاف نظرًا لمصلحة الاقتصاد الكبرى بذلك ومنعًا لإضعاف دور المستهلك الإنفاقي فيه.
أما النقطة الأخرى، فهو ذكره بأن زيادة العرض على الطلب ستخفض الأسعار تلقائيًا بمعنى أن الوزارة ستركز على زيادة العرض.
وبما أن قوانين العرض والطلب هي من بديهيات علم الاقتصاد، فإن الاتجاه لزيادة العرض لخفض الأسعار يصبح إستراتيجية وبذلك هي نقطة تناقض سابقتها التي قال فيها: إن إستراتيجية الوزارة ليست خفض الأسعار حتى لو كان يقصد أولوية الأهداف، وبذلك فإن جوهر المشكلة التي تعترف بها الوزارة هي صعوبة تملك السكن لشريحة واسعة بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة التمويلية قياسًا بدخل تلك الشرائح تبعًا للدخل وهو ما يعني بالضرورة أن أسعار المساكن لا بد أن تنخفض كمنتجات جديدة وليس رفع التمويل لتتناسب مع أسعارها الحالية هو الحل.
فإلغاء شرط تقديم دفعة من طالب القرض بمقدار 30 في المائة الذي تضعه مؤسسة النقد، الذي تقول الوزارة بأنها ستناقشه مع المؤسسة لإلغائه أو خفضه سيؤدي وبفترة قصيرة قد لا تزيد عن عشرة أعوام إلى ظهور أزمة رهون عقارية قد تسبب أزمة مالية للقطاع التمويلي لا تقل خطورتها عمّا حدث بأمريكا، بل لا اعتقد أنه يمكن حلها لو حدثت بسهولة لأن حجم التمويل سيرتفع بشكل سريع وكبير وسيتبعه ارتفاع بالأسعار أكبر، وستضعف جودة الأصول المرهونة، بل وسيتم بيع الكثير من الوحدات التي تم بناؤها بتكاليف عالية من خلال المنتجات الحالية والقادمة من الصندوق العقاري وبذلك تحل مشكلة المطورين الذين أنشأوها وتنقل المشكلة إلى المواطن الذي يشتريها بسعر مرتفع وكذلك للجهات التمويلية وأولهم الصندوق العقاري، فأي نسب تعثر بالسداد حتى لو بسيطة ستهوي بقطاع التمويل العقاري، وسيؤثر ذلك على النظام المالي كله نظرًا للحاجة الكبيرة للمساكن فإن زيادة طلبات التمويل ستكون ضخمة جدًا بزمن قياسي ولذلك يصبح الحل بالتمويل مشكلة أوسع وأكبر نطاقًا من ملف إسكان إلى كامل الاقتصاد. ولا ننسى أن فئة من طالبي السكن ليسوا موظفين حتى يتمكنوا من الحصول على تمويل من قطاع التمويل العقاري الخاص، فما هي حلول الإسكان لهم وفي حال تم تمويلهم وفق أي آلية فإن الفوائد ستكون مرتفعة عليهم لضعف ملاءتهم المالية، وقد يكونون هم أول من يتعثر ويكونون نواة أزمة مالية سببها الرهون العقارية ولا نتسى بأن أزمة أمريكا لم تأخذ أكثر من 15 عامًا حتى تشكلت وانفجرت في عام 2008 عندما تغيرت أنظمة التمويل وسمحت بالتوسع المفرط في قنواته والشرائح المستهدفة بشكل تسبب بالأزمة التي ما زالت آثارها حتى على العالم قائمة.
لا شك أن وزارة الإسكان تعمل على إنجاز حلول عملية ترفع من نسب التملك بالوقت الحالي، ولكن أي حل متكامل لا يمكن أن يتحقق إلا بحل متوازي الخطوات يأخذ بعين الاعتبار أولاً الوصول لخفض قيمة المنتجات السكنية التي تمثل الأرض نسب تتجاوز 50 في المائة خصوصًا بالمدن الكبرى فالمشكلة بضعف نسب التملك هي «ارتفاع الأسعار قياسًا بالدخل»وليس بحجم التمويل الذي سيقف عند سقف حسابات المخاطر وقدرات المقترض وملاءته المالية، وكذلك احتياجات الاقتصاد التمويلية بالقطاعات والنشاطات الأخرى. ولذلك، فإن صدور الأنظمة التي تؤثر على زيادة عرض الأراضي وأولها الرسوم على الأراضي البيضاء وسرعة اعتماد المخططات تعد موازية بأهميتها لباقي الإجراءات التي تنتهي بمتتج سكني ملائم لكافة الشرائح بالمجتمع من حيث الجودة والسعر مقارنة بالدخل.