رمضان جريدي العنزي
دائرة العنف تتسع، وثقافة القتل والغيلة والترويع ترتفع وتيرتها، والأعداء الكثر يتنامون حولنا بسرعة فائقة، والمرجفون والمحبطون وأصحاب النوايا غير الحسنة والوجوه المتعددة يزدادون، ويحاولون أن يزيدوا مشهدنا وواقعنا سوءاً ورمادية وعتمة، اختطفوا شبابنا،
وجعلوهم منشغلين في جمل دموية، واستنزفوا طاقاتهم، وبددوا إمكانياتهم الفكرية والعقلية في مغامرات مجنونة بعيدة عن العقل والمنطق والواقع، لقد اعتلى المشهد المراهقون والمغامرون والمعتوهون والنماقون ومشعلو الحرائق، ومارسوا التكفير والتجهيل والنكوص والتكريه والتبشيع بالحياة، فمن خلال هذه الأعمال تغلق نوافذ العقل التنموي وتتضاءل فرص الجدل وتبادل الافكار والنقد والمراجعة، ومن خلال العنف الذي يؤطرون وينظرون له تكثر الأعمال الفاشية والدكتاتورية المتخلفة إلى عزل الناس عن العالم الآخر لمنع التفاعل الإنساني والتبادل المثمر للتجارب أو أقلها الاطلاع عليها، أما التجهيل الذي يمارسونه فهو سلاحهم الآخر الذي يسمح باستمرار انحطاط الأمم ويسهل زرع الأوهام والمخاوف والافتراضات العدائية تجاه كل ما تكرهه الأمم والمجتمعات، إن الهيمنة الفاشية بكل فروعها الإديولوجية والقومية والطائفية يعملان بالتماسك والتشارك والتضامن للإبقاء على سيطرة الفكر الرجعي والتخلفي على الأمة، وذلك من خلال إعلاء قدر الفرد الفاشي وتمجيده وتعزيزه وتبجيله على حساب الأمة وتنميتها ومستقبلها، فيتحول هذا الفرد وإن كان معتوها أو قاصرا أومراهقا أو غير سوي، الى مقدس ومعصوم ومرجع وقائد، إن استمرار تسلط هؤلاء البؤساء إنما هو وصفة للضياع والحروب والمعضلات المتوالدة من قرارات فردية وجماعية وحزبية جاهلة وضيقة الافق لا يمكنها أن تعيش من دون ترويع المجتمعات وخلق خصوم وهميين بدواع وهمية ملفقة، إن هؤلاء المغامرين يقودون الأمة كلها نحو التيه، ومستقبل الرماد، وأخاديد النار، لا إلى ضفاف التنمية والتقدم والتنافس ومجالات الابتكار والإبداع العلمي والتكنولوجي، وشواطئ السلام، بل نجحوا في تحويل الأرض إلى بارود ملتهب، ورموا الناس خارج دائرة التنمية، وأخذوهم بعيداً عن فلسفة النمو، لقد أجادوا صناعة بؤر التوتر والتوتير والقلق، وأشاعوا ثقافة الموت كمخرج لهم من الأزمات التي تحصل لهم جراء آفاقهم الضيقة، وتطلعاتهم السقيمة، وتخطيطاتهم البشعة، وأهدافهم الفردية والفئوية، إن واقعهم يشبه تلاقي الصيف والشتاء والثلج واللهب في آن واحد، لقد آن الأوان لمعالجة هذا الداء المخيف، والمسخ الكاسر، والظلامي القاتل، دون أن نستسلم لهؤلاء الجاحدين والغادرين والمتآمرين وحلفائهم السريين والمستترين، إن علينا أن ننشئ مظلة وطنية أمنية أكبر قوة وصلف وعدة وتعداد تكبح جموح وطموح هؤاء المجانين، إن التلاحم والتعاضد والتعاون بين أفراد المجتمع هي أرفع واجب يمكن أن نطالب به في هذه المرحلة الحساسة، بعد أن كشف هؤلاء عن وجوههم الغادرة، وانخرطوا في شراكة تامة مع الأعداء بكل أطيافهم الملونة، الذين ظنوا بأن الطريق لفرض آرائهم ومعتقداتهم يمر من خلالنا، إن هؤلاء المسوخ يفقدون صلتهم بالواقع عندما يمضون في أوهامهم بإركاعنا لمطالبهم وادعاءاتهم الفاجرة، وما درى هؤلاء بأن تمسكنا بوحدتنا الوطنية هي مصلحتنا الأساسية ومطلبنا ومبتغانا وشرفنا الذي لن نتنازل عنه أبداً، إن السعي إلى كسر شوكتنا ووحدتنا وتلاحمنا من قبل الطائفيين والحزبيين والطامعين وبعض الدول المارقة، يعني التكسر على صخورنا الصلدة، إن النزيف المؤلم والذبح الكافر الذي يحدث على يد هؤلاء المراهقين المارقين لن نجعله يتمادى في الحدث كما يريد هؤلاء المطايا ويأملون ويحلمون ويخططون، إن علينا كي نصد هذه الوحوش النافرة، والخفافيش المعتمة التي تحاول اغتيال الإنسان، وإطفاء فتيل الحياة، أن يتعاون المجتمع كله بكل أفراده وهيئاته وناسه مع الدولة، وأن نهتم جميعاً بنسيجنا الوطني والاجتماعي وقوة بأسنا ووحدتنا وتلاحمنا، وأن تكون مساجدنا وجامعاتنا ومدارسنا منابر وحدة واتحاد ضد هؤلاء المارقين، وأن نردع كل خوان معتد أثيم، عندها سينحني العالم كله أمامنا إجلالاً وهيبة واحتراماً، وسيكون مستقبلنا أكثر بهاء وإشراقاً وأقل ألماَ وحسرة.