جاسر عبدالعزيز الجاسر
قبل أكثر من عشرين عاماً ضمَّ عدداً من الصحفيين والكتَّاب السعوديين مجلسٌ فكريٌّ مع الأمير خالد الفيصل. وقتها كان أميراً لمنطقة عسير، إلا أنه في ذلك اللقاء كان يتحدث بلغة المفكر والقارئ للمستقبل. ففي استشراف لا نراه إلا لدى المفكرين قال الأمير: «أمة يتحكم بأمرها من يفتقدون الحكمة والبصيرة مصيرها التخلف، وأن تكون محاصرة بأعداء الداخل والخارج معاً».
كيف يا سمو الأمير..؟
ربما لا يتذكر الأمير خالد الفيصل ذلك اللقاء، إلا أنه حتماً لا يزال يرصد التحولات وخيبات الأمل التي تتوالى على العديد من الدول العربية، والتي حملت الويلات، ولا تزال.
للتدليل على ذلك قال الأمير في ذلك المجلس: «هبطنا في مطار إحدى الدول العربية، وصُدمنا بلوحة كبيرة، تتوسط صالة الاستقبال، تتحدث عن استمرار الثورة.. ثورة حتى النصر، في حين كان ذلك البلد قد خاض ثورة قبل أكثر من ربع قرن، ومع هذا لم تنتهِ الثورة، ربما لم يكتمل التغيير للأسوأ». هكذا عقب الأمير على ذلك.
الآن، وبعد عشرين عاماً من ذلك اللقاء، إضافة إلى الخمسة والعشرين عاماً التي مرت على ثورة ذلك البلد، أعتقد أن الشعار الثوري لا يزال يتوسط تلك القاعة في المطار؛ ليكون أول ما يصدم القادم إليه.
طبعاً، لم أزُرْ ذلك البلد بعد حديث الأمير، ولا أعرف أن اللوحة التي تحمل ذلك الشعار لا تزال باقية، إلا أنني متيقن بأن الفكر الذي يجعل ذلك الشعار (خطة طريق) ذلك النظام لا يزال هو المهيمن على فلسفة الحكم في ذلك البلد، الذي ابتُلي بتلك الحفنة من الثوار وورثتهم وما تبقى ممن يحملون أفكارهم، بعد أن غاب أغلبهم، إن لم يكونوا جميعاً. فالثورة حتى النصر تعني التخلص من الرفقاء، وحتى أبناء الثورة؛ ليتسنى إكمال التغيير.
هذا الشعار الذي يعكس فلسفة من جاؤوا من ثكنة عسكرية، أو من قبو تنظيمي ظلامي، ليس مقصوراً على بلد عربي دون غيره؛ فهناك الكثير من تلك البلدان التي تُحكَم بتلك العقلية. ولا حاجة بنا لذكر تلك البلدان، وتحديد أنظمتها؛ إذ يكفي معرفة حالها وأوضاع أهلها؛ لتعرف تلك البلدان؛ إذ لا تخطئ العين مهما غشاها ادعاءات الإعلام، والشعارات الثورية، في حصر تلك البلدان بلا خطأ. فأينما تجد مجتمعاً متخلفاً، ودولة تعوزها الخدمات، ويكثر فيها الفساد، ويتراجع اقتصادها، وتتكئ على الدول الأخرى لضمان ديمومة نظامها وسطوة حكامها، وشعوبها فقيرة، فاعلم أنك تحدد واحدة من الدول التي ترفع شعار (ثورة حتى النصر)، الذي كان صادقاً لو كُتب (ثورة حتى الفقر).