يوسف المحيميد
كلما وقعت جريمة قتل في بلادي، مبررها الظاهر النزعة الطائفية، والتطرف ضد طائفة ما، فكرت ما إذا كنا تأخرنا فعلا في نشر الاعتدال الفكري لدى الشباب، وإعلاء قيم المواطنة وحقوقها، خاصة مع انتشار مقطع راكب الليموزين الذي هدد سائقاً كبير السن، باللجوء إلى الشرطة، بعدما لاحظ صورة معلقة في سيارته تشير إلى مذهبه، مما يعني أن هناك عشرات، وربما مئات وآلاف، الأشخاص الذين لا يؤمنون بتعدد المذاهب والطوائف والأديان، ويرون أن على العالم أن يتبع دينهم ومذهبهم، رغم أن الله سبحانه قال في كتابه (لا إكراه في الدين)، و(لكم دينكم ولي دين) وغيرها من الآيات التي تتجاوز مائتي آية كما أحصاها الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله.
ورغم ما توحي به حادثة مسجد الكوثر في سيهات مؤخراً، والحوادث المشابهة قبلها، بأن الاختلاف الطائفي والمذهبي، هو سبب هذه التفجيرات، إلا أن ذلك غير صحيح، فمحاولات إيجاد الفوضى وإخلال أمن هذه البلاد، هي السبب الرئيس، والدليل أن ثمة تفجيرات حدثت لا علاقة للمذاهب بها، وإنما كانت تستهدف رجال الأمن، وقد امتدت أيضاً لتشمل الحوادث الشخصية بين الأقارب، حينما يقتل أحد هؤلاء المتطرفين قريباً له، بسبب عمله العسكري، وانتمائه إلى إحدى الجهات الأمنية في البلاد.
لا نختلف ولا نشكك بالأجهزة الأمنية، وقدرتها على التعامل السريع مع هذه الحوادث، بل إنها غالباً تحقق ضربات استباقية قبل حدوثها، وهذا بلا شك أمر مهم للغاية لحفظ الأمن في الداخل، لكن ذلك لا يخلي المسؤولية تجاه الأمن الفكري، ورفع مستوى الوعي، وتحفيز جميع الجهات ذات العلاقة بذلك، على رأسها وزارة التعليم، التي لم تزل تعاني من عدم الانفتاح فكرياً، وإعلاء قيم الاختلاف بين البشر، وأهمية التسامح بينهم، سواء على مستوى المقررات والمناهج، أو على مستوى المعلم ذاته، وأيضاً لا يتوقف ذلك على التعليم العام فحسب، وإنما ينسحب أيضاً على التعليم الجامعي، وضرورة فتح المجال للمحاضرات والندوات التي تسمح بالتعددية، وتؤمن بها، وتفسح للفنون كلها فرصة الانتشار في الحرم الجامعي، من أجل خلق مجتمع سوي وطبيعي، من مسرح وتشكيل وموسيقى، وتفعيل الأندية الأدبية والفنية في مختلف الجامعات، التي تسهم في تكريس ثقافة الآداب والفنون، وخلق بيئة رياضية متنوعة سواء في الجامعات أو في مدارس التعليم العام، برعاية جميع أنواع الألعاب الرياضية، وخلق منافسات شريفة وحيوية بين المدارس في المناطق من جهة، وبين المناطق من جهة أخرى.
هذه الفئة من الشباب التي تشكل أكثر من 60% من المجتمع، بحاجة إلى الاهتمام والعناية والترفيه، وتوفير البيئات المناسبة لها، من أجل رفع مستوى الوعي والتفكير، بدلا من أن نتركها تقودها حسابات التطرّف في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدلا من أن نفكر برفع تفكيرهم وتحصينه وحمايته، نفكر بحجب هذه المواقع، في زمن لم تعد تجدي سياسات المنع والحجب والتهميش والإلغاء، وإنما مواجهة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل، مواجهة العنف بالحوار، مواجهة الكره بالحب والتسامح، فهل تأخرنا في نشر هذا الفكر المعتدل؟