فوزية الجار الله
أولاً:
أنا وأنت وضوء يلوح في أقصى نقطة في الأفق، دائماً هكذا تبدأ الحكاية.
كم تعشق السير على قدميها رغم الزحام وذرات الغبار التي تملأ الفضاء.. رغم ضجيج السيارات وتزاحم المكعبات الإسمنتية المسلحة؟!
تسير حباً وأملاً.. تسير في محاولة للانعتاق.. تسير في محاولة للملمة شتات أفكارها.. لربما وجدت ما تفتقده في زاوية منسية في ذلك الفضاء المكتظّ بتلك الروائح المألوفة لعوادم السيارات.. الجو لا يزال حاراً ونحن في منتصف أكتوبر الذي يفترض أن يكون معتدلاً، ما سر تلك الساعات الثقيلة، ولماذا يتلكأ ذلك الدفء الشتائي بمنح مدينتهم شيئاً من جماله؟ لا بد أن لله حكمة.
أوقفت سيارة أجرة، أشارت له بأن هدفها قريب جداً لكنه اعتذر بالزحام، ثم أدار محرك سيارته ومضى..
يا للأسى، كُتب عليها المسير وما أجملَه!
استعادت في ذهنها صوت سائق التاكسي، تذكّرت بأن هذا الطريق منذ سنوات لا تقل عن الخمسة عشر عاماً كان فسيحاً وجميلاً ونقياً وكان الموقع الذي أشارت إليه يبعد عشر دقائق فقط في الأوقات الطبيعية وفي الذروة العظمى كان لا يزيد عن خمس عشرة دقيقة، أما اليوم فبسبب الزحام وبسبب حفريات القطار القادم أصبح الطريق إليه يستغرق الضعف وربما أكثر بكثير في أوقات الذروة.
تابعت المسير في محاولات جاهدة للتحايل على الكتل الإسمنتية المسلحة، تارة تصغر وأخرى تبدو بحجم أكبر ومرة تمتد إلى أعلى لتصبح أشبه بسور صناعي مؤقت وقد علمت أن ذلك الارتفاع يعني بأن ثمة جسر عالٍ سيتم تشكيله خلفه.. «عالٍ «.. كم أنت عالٍ ومدهش أبها الأمل! كم أنت شاهق في غيابك وفي حضورك..
يا حباً ويا وجعاً لولاك لكانت الحياة شحوباً وقفراً.
ثانياً:
رغم أن مشاهد القتل وأصوات الرصاص أصبحت أمراً مألوفاً شائعاً وياللأسف في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه الحروب، ما بين ما يحدث في سوريا وفي اليمن وما يحدث في فلسطين إلا أن حادثة سيهات كانت صدمة مفاجئة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كان خبراً مفجعاً جعلني أغوص في صمت حائر عميق، ما الذي يمكن أن يُقال حيال جريمة مثل هذه؟ قتل مجموعة من الأبرياء حول المسجد من قبل شاب تم التغرير به وإدارته كما يُدار الريموت كنترول، مصدر الفاجعة أن الجريمة حدثت في جزء عزيز من بلادنا الشاسعة، والثانية أن الباعث لها «الطائفية» التي لم تكن يوماً داءً متأصلاً في أبناء الوطن، ولكن ثمة من يحاول إشعالها وتأجيجها لحاجة في نفس يعقوب، حفظ الله بلادنا خاصة وكل قطعة وزاوية من بلادنا العربية وجعلها موطناً للحب والأمن والسلام.