د. خيرية السقاف
قال عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم قبل عاشوراء: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»،
أما صيام اليوم العاشر ذاته فقال فيه: «صيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله».
ونحن في العشرة الأولى من المحرم الميمون، ما يهمنا هو أن نتذكر أن علينا أن نعنى كثيرًا بالصغار فنثقفهم في دينهم، نعرِّفهم الصوم المسنون في غير أيام رمضان، وأن العبادات هي أفعال الطاعات، وأن الاقتداء برسول الهدى محمد بن عبدالله صلى الله، وبارك، وسلم عليه وعلى آل بيته، وخلفائه الراشدين، وصحابته، والتابعين، ليس لمجرد المحاكاة، وإنما لأن في مدرسة الطاعة المحمدية السبيل إلى الله، والوصول إلى ثغور رضاه، وبلوغ الأنس بمعيته، وتحقيق الأمان في رفقته تعالى..
وليعرفوا، وليوقنوا بأن الصوم جُنَّة، يمنع، ويحجب، ويعين، .. يمنع الزلل، ويحجب الشهوات، ويعين على النفس،..
فمتى قدر الإنسان على منع نفسه عن شهواتها، قدر على مكامن الضعف فيها، وفي ذلك سبيل إلى تهذيبها عن التفريط، ومرونتها في التثبيت، وانقيادها للخير..
ومتى تمكنت النفسُ من الخير، تطوَّعت كلُّ الجوارح له، وسلكت كل الطرق إليه..
لذا كان محمد بن عبدالله، أشد الناس غيرة على المؤمن، لا يرتضي له الضعف في الطاعة كيلا يضعف عن الخير، ولا يقبل منه انسياقًا في معصية، كي يبلغ كمال الصوم عن مسالكها، وتمام البعد عن مدارجها..
وصغارنا يحتاجون تحديدًا إلى معرفة القيمة الصحيحة لصوم عاشوراء في ضوء هذه المعطيات المتناقضة الكثيرة التي تشهدها ساحة الاختلاف، والخلاف في المشهد العام، كي لا تتبلبل أفكارهم، وتتخبط أفهامهم، فنجنبهم أن يأخذوا فتاتًا من ذلك لا يسمنهم، ولا ينجيهم من خليطه.
نعم، هو ذا وقت من الأوقات المهمة يجيء بمناسبة دينية جلية ليكون دور الجميع تنوير الناشئة بالأهداف من صوم عاشوراء، وبغايات الصوم، وبقيم التعبد الخالص لله لا لدنيا يصيبونها، ولا لبشر يستميلونهم. ويمكن للاقتداء الرجوع إلى ما ورد من أحاديث منها ما جاء في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم «أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة» من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية صومه»، فاتَّبعه المهاجرون والأنصار، كما قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء راوية الحديث: «فكنا بعد ذلك نصومه ونصّوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على طعام أعطيناها إياه عند الإفطار». (البخاري كتاب الصوم - باب صوم الصبيان ح 1960، ومسلم كتاب الصيام ح 2669).
فالله الله بهم، وبأهم الأدوار نحوهم، وأنجى المقاصد لسلامة معتقدهم، وأبلج السبل للوصول بهم إلى السلامة، والفطرة..!