د. خيرية السقاف
يغتالونها، بيضاء نقية، سليمة صافية
الطفولة الغِرَّة، ببراءة الفطرة،
بعمار الوجدان فيها إحساساً بالأمان في صدور من لم تتم في أفواههم مخارج الحروف،
ومن من تحبو أقدامهم في اضطراب لتبلغ وقفة المتمكن من ساقيه، نحو كل من يتعاملون معهم في الأسرة، والمدرسة، والقربى، بل في الشارع، والسوق، بغتالون هؤلاء الأبرياء، من يطمئنون بثقة الفطرة النقية إليهم، حيث لم تعتركهم تجارب، ولم يبلغوا رشد الوعي بمكر الأكبر سنّاً عنهم، المدرك غايته، وعقله..!
الأطفال هؤلاء، والصغار الأكبر سنَّا منهم قليلاً ناشئة القوم جُبلوا على فطرة بيضاء،
لا يلوثها غير أولئك من آبائهم، أو أقربائهم، أو ذوي العلاقة بهم في المدرسة، والمصحة، ووسيلة النقل، والشارع، والمرافق..!!.. الذين تنحر سكين اغتيالهم براءة ضحاياهم الصغار، بظلم أفعالهم، وإهمالهم ، وتجاوزهم حدَّ المعقول فيما يحدث من اعتداءات آباء عليهم بضرب مبرح يموتون منه، أو ينزلون المصحات للتشافي من كسور لحقت بأجسادهم الغضة من جورهم، يتداوون من جروح تركتها فظاظتهم ندباً على جلودهم الغضة،..!
ناهيك عمن يسهو بلا مبالاة عنهم في حافلة، وفي عربة، أو يشرع لهم طريقاً للموت، أو الضياع، فيموت منهم من يختنق، أو يحترق، أو يعبث بما ليس يدرك، أو يتردى في نفق، أو «حفرة»، أو يأوي إلى بؤر عكرة..!!
يغتالونهم، ينحرون براءتهم المتنازعون المتشاحنون من الآباء، والأمهات على مشهد من عيونهم الصافية، وقلوبهم الخافقة، فتظلم بصيرتهم، وتُشحن خبيآتهم، فتمرض نفوسهم، وتصاب قلوبهم بخوف يستديم، وهلع لا يغادر، فينشأون وكل ما فيهم يتوجس شراً، ويتحفز له.. بل ربما يصنعونه، ويتفوقون فيه، مادتُه ما ترسب وزيد حصاداً ممن بذر من المغتالين براءتهم، المقوضين نفوسهم، الحارقين فسائل الطهارة فيهم.
هؤلاء الأبرياء ضحايا الاعتداءات النفسية، والمادية، ضحايا الإهمال والذاتية، مع كل برامج النصيحة، والإرشادات الأسرية، ومراكز الحماية، ومكافحة العنف والتحرش، وبرامج العلاج، والإيواء، وقرارات العقوبات، والردع، وجلسات المحاكمة، وإجراءاتها، إلا أنهم يستفحلون، ويتكاثرون..
في المدارس يموت الطفل بصاعق كهرباء، وباختناق في حافلة، ويموت في البيت بسهو أب تركه في المركبة وذهب لينام، وأخرى تصعد روحها لبارئها بفتك أبيها ضرباً على رأسها، ..و...، و...،
ومن يغل طفلاً بسلاسل من حديد، ومن يحرضه على السرقة، والشحاذة، ومن يجعله ورقة رابحة بيده يبتز بها «مطلقته»،
بل فيهم من يقتل طفله خشية إملاق!!
ومن، ... ومن ...!!
هؤلاء يغتالونها بيضاء هذه الطفولة..
ينحرونها بسكين ظلمهم، وتجاوزهم، وتفريطهم، وجنونهم..
يشوهون أجمل صور الفطرة، ومعادن الصفاء..
لا يتطهرون..؟!!