د.عبدالله مناع
كانت (خطيئة) السفير الأممي التونسي الأصل: السيد جمال بن عمر - مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن - لمتابعة إنفاذ (المبادرة الخليجية) وفق آليتها المزمنة، وتذليل العقبات السياسية والاقتصادية - التي قد تصادفها -.. أنه صدَّق (الحوثيين) عندما خرجوا من صعدة إلى صنعاء وهم يطالبون بعودة الدعم الحكومي لـ (المشتقات النفطية) من البنزين
والديزل و(الكيروسين) رأفة بالمواطنين المنهكين، من معدمي ومحدودي الدخل وبإقالة حكومة الوحدة الوطنية (الفاسدة!)، وبإنفاذ مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي كان قد انتهى وقتها مع نهاية عام 2013 بتسليم مخرجات لجانه الثماني إلى اللجنة التاسعة (لجنة صياغة الدستور).. وإلى الحد الذي جعله يحمل الرئيس عبدربه منصور هادي على التوقيع معه على وثيقة - أو خديعة - (اتفاق السلم والشراكة)، لإنفاذ تلك المطالب الوطنية شكلاً.. مقابل انسحابهم من شوارع وميادين صنعاء، ليعودوا أدراجهم إلى صعدة، فوقع الرئيس عبدربه على تلك الوثيقة أو الخديعة ليشتري عودتهم إلى صعدة.. إلا أن أحداً من الحوثيين لم يغادر مكانه.. بل طوروا وجودهم في تلك الشوارع والميادين والساحات إلى اقتحامات للوزارات للسيطرة عليها، وللبنوك.. للاستيلاء على ما بداخلها من أموال، لينتهي بهم الأمر.. إلى ضرب القصر الرئاسي بـ (الطائرات) ومدافع (الهاون)، ليفر الرئيس وحكومته إلى عدن.. لتجرى ملاحقتهم، فيفر الرئيس عبدربه ثانية إلى جزيرة سقطرى وهو بملابس نومه، ويتم وضع رئيس وزرائه تحت الإقامة الجبرية.. وليطلب الرئيس عبدربه من أصحاب المبادرة الخليجية نجدته، ونجدة شرعيته، ونجدة اليمن بكله.. من فوضى (الحوثيين) وتدميرهم وأجندتهم التي يريدون بها جر يمن (الزيود والشوافع) غصباً وكرهاً إلى يمن إيراني اثني عشري، فكان أن لبى الخليجيون طلبه بـ(عاصفة الحزم) التي قادتها المملكة والإمارات وقطر وبعض الدول العربية الأخرى في 21 مارس من عام 2015م.
***
لقد كانت (خطيئة) السفير الأممي الحاذق (جمال بن عمر) - صاحب الخبرات اليمنية التي تراكمت عبر سنواته الثلاث التي أمضاها في اليمن من حين أن تم الإعلان عن المبادرة الخليجية في الرياض في نوفمبر من عام 2011م - لا تغتفر!! فهي كما يقول مثلنا العامي كـ(غلطة الشاطر.. بعشرة).. وهي هنا بـ(ألف) أو بعشرة آلاف، فقد كذب عليه الحوثيون وخدعوه وخذلوه ولم ينفذوا سطراً واحداً من أسطر (اتفاق السلم والشراكة).. ولكنهم استفادوا من توقيعه وتوقيع الرئيس عبدربه عليه.. إذ رأوا فيه اعترافاً بـ(شراكتهم)، في الحكم.. وهو ما كانوا يريدونه ويحلمون به، ليقدم السفير بن عمر استقالته، ويختفي من المشهد اليمني بكله.. مأسوفاً عليه - رغم خطيئته، وعدم حذره من الوقوع في (فخ) السلم والشراكة - الذي نصبه له الحوثيون.. ليحل محله ممثل آخر للأمين العام للأمم المتحدة، هو الدبلوماسي الموريتاني الأصل: إسماعيل ولد الشيخ أحمد.. والذي شاءت الأحداث اليمنية المتلاحقة.. أن يكون أول ظهور له في ساحة الأزمة اليمنية مع انعقاد جلسات (مؤتمر الرياض) في السابع عشر من شهر مايو الماضي لمناقشة الأزمة اليمنية بعد أن مضى قرابة أسبوعين على عاصفة الحزم.. فكانت فرصته في أن يدعم مقررات المؤتمر وإعلانه بالطلب من أمانته التوجه إلى مجلس الأمن مجدداً.. لإصدار قرار - تحت البند السابع - بتشكيل قوة سلام أممية من الدول المحايدة في الصراع لإنفاذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، القاضي بانسحاب الحوثيين وعودتهم إلى (صعدة) وتسليم الوزارات والسلاح والأموال المنهوبة إلى مؤسسات الدولة الدستورية التي لم تنحل استجابة لما أسماه الحوثيون بـ (الإعلان الدستوري)، ولكنه بدلاً من أن يفعل ذلك.. أو أي شيء يدعم به إنفاذ قرار مجلس الأمن (رقم 2216) وهو أحد أهم مسؤولياته.. تقدم بـ (اقتراح) لعقد اجتماع في (جنيف) لبحث الأزمة اليمنية بحضور الأطراف اليمنية جميعها (دون شروط مسبقة)!! وهو ما كان يتمناه ويحلم به (الحوثيون والصالحيون).. أو معسكر الغدر والخيانة اليمنية، فكان الاقتراح.. مخيباً لآمال اليمنيين وعشمهم في مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل الذي ظلت جلساته تعقد على مدى عام كامل (2013م)؛ باعتبارها بوابة الخروج إلى الدستور الجديد.. وإلى اليمن الاتحادي الفيدرالي الجديد الذي يحلمون بقيامه.
لقد كان اقتراح السفير الأممي الجديد.. (صغيراً) ساذجاً بكل ما تعنيه الكلمة أمام مقررات مؤتمر الرياض وإعلانه، بل وكشف عن عدم دراية بـ(المعضلة) اليمنية في أساسها، والتي تحولت مع عام 2011م اتساقاً مع ما جرى في دولتي ربيع الحرية في تونس ومصر.. إلى إسقاط للرئيس - آنذاك - علي عبدالله صالح وإلحاقه بـ (زين العابدين) و(مبارك)، وعدم علم بـ(المبادرة الخليجية) وظروفها وما واجهته من مصاعب حتى أمكن لها في نهاية التسعين يوماً الأولى من عمرها.. أن تنتخب الرئيس منصور عبدربه بـ (97 %) من أصوات العشرة ملايين ناخب يمني لرئاسة الجمهورية، ليشكل حكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد باسندوة (مناصفة) بين حزبي المؤتمر الحاكم والمعارضة اليمنية، وعن عدم (معرفة).. حتى بما فعلته الأمم المتحدة.. عندما انتدبت مجلس الأمن بكامل أعضائه - في الثالث والعشرين من يناير من عام 2013م - لعقد جلسة للمجلس في (صنعاء) ولأول مرة في تاريخ المجلس وتاريخ الأمم المتحدة وتاريخ (اليمن) نفسه.. ليحث أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل (الـ 565 عضواً) على المشاركة فيه - وقد كان من بينهم خمسة وثلاثون عضواً حوثياً في لجنة (صعدة) - باعتبار أن الحوار الوطني اليمني ومخرجاته والدستور اليمني الجديد الذي سيُصاغ منها.. يشكلون في مجملهم (صورة) الدولة الاتحادية الفيدرالية اليمنية الجديدة التي رسمتها (المبادرة الخليجية).. والتي يبدو أنها لم تعجب السفير الأممي الجديد إسماعيل ولد الشيخ، فكانت دعوته الفجة لمؤتمر في جنيف دون شروط مسبقة، ورغم أن المؤتمر - الذي دعا له ولد الشيخ أحمد - عُقد.. إلا أن الفشل الكامل كان في انتظاره.
***
الآن.. وبعد ستة أشهر من مؤتمر الرياض وإعلانه، ومع استمرار المعارك بين قوات التحالف الداعمة لـ (الشرعية)، وقوات معسكر الخيانة الحوثي الصالحي القابض على عنق صنعاء وتعز والحديدة.. دون حسم نهائي ينهي معاناة ملايين اليمنيين في الوطن اليمني.. تجددت الدعوة مع وجود الرئيس عبدربه في نيويورك - لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوي - لعقد مؤتمر في جنيف في نهاية الشهر الحالي (أكتوبر) لإنهاء الأزمة اليمنية.. بعد أن قدم (الحوثيون) للأمين العام (بان كي مون) اعترافهم مكتوباً بـ (قرار مجلس الأمن 2216)، والتزامهم بإنفاذ ما جاء فيه، وقد كان ذلك شرط الرئيس عبدربه الذي لا عدول عنه.. لأي لقاء معهم أو مع أي طرف من أطراف معسكر الخيانة اليمني، وهنا تأتي فرصة السفير الأممي الجديد (إسماعيل ولد الشيخ أحمد).. لتبديد الشبهة التي حامت حوله أثناء مؤتمر الرياض، من أنه (حوثي) بأكثر منه (يمني) يعمل - من خلال سفارته الأممية - لصالح اليمن واليمنيين جميعاً، الذين غدر بهم (الحوثيون) وخانهم (علي عبدالله صالح).. عندما دعا أثناء اجتماعات مؤتمر الرياض إلى لقاء في (جنيف) بين أطراف النزاع (دون شروط مسبقة)!! إذا استطاع أن يحمل الحوثيين - هذه المرة - على تقديم ما يثبت صدق اعترافهم بـ (قرار مجلس الأمن 2216).. كالانسحاب من تعز والحديدة.. مثلاً، والتوقف عن قتل اليمنيين وتدمير بيوتهم وتجويعهم ممن لا يشاركونهم رؤيتهم (الحوثية).. وإلا ستبقى الدعوة لـ (المؤتمر) مشبوهة.. لـ (محادثات) باطلة!! فالتوقيع على خطاب الاعتراف.. وتسليمه للأمين العام (بان كي مون).. ليسا كافيين لـ (تصديق) الحوثيين!! فما أكثر ما وقع الحوثيون على اتفاقيات مع: الحكومة المركزية في حروبهم معها التي امتدت حتى عام 2006م، أو الوسطاء القطريين لاحتواء تلك الحروب.. في المساء ثم انقضوا عليها في صباح اليوم التالي!! ولعل آخر تلك الاتفاقيات.. هو (اتفاق السلم والشراكة)، الذي فقد فيه السفير جمال بن عمر منصبه.. وكاد أن يفقد الرئيس عبدربه فيه حياته!!
وإذا كان ليس في مقدور أحد أن يتنبأ بما سيسفر عنه هذا المؤتمر لوجود الحوثيين بـ (لوثتهم) الدينية المتقلبة، و(الصالحيين) بـ (سعيهم) نحو (السلطة) الذي لم تكفه اثنان وثلاثون عاماً.. فإن (اليمن) سيبقى طريح الموت والهلاك، وتبقى صورته التي كان عليها في أوائل عام 2011م (حلماً).. قد لا يتكرر؟!