د.ثريا العريض
خلال الأيام القادمة ستعقد مؤتمرات محلية وإقليمية ودولية مهمة تتناول المستجدات في ساحة الأحداث العالمية السياسة الدولية وما يعنيه ذلك بالنسبة للمصالح والعلاقات الثنائية والتحالفات والقرارات. وقد دعيت للمشاركة في بعضها.
في البحرين يعقد ملتقى حوار المنامة الحادي عشر في 31 أكتوبر - 1 نوفمير 2015 للحوار حول الأمن في منطقة الخليج ومستجدات الأوضاع الأمنية إقليمياً وعالمياً. وفي 1-2 نوفمبر 2015 يعقد ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني، ويتناول ضمن محاوره موضوع الخليج في العالم الجديد. ويليه مباشرة في البحرين مؤتمر التخطيط الإستراتيجي.
وفي برلين يعقد مؤتمر برلين الإستراتيجي ليبحث في مستجدات ساحة العلاقات الأوروبية، والخلافات بين الغرب وروسيا، وتطورات الأحداث في الشرق الأوسط ومستجدات الأوضاع في المنطقة الآسيوية.
وهذه غيض من فيض من المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات تعقد حول العالم لتبحث قضايا محلية خاصة بمنطقة معينة أو قضايا تشترك فيها أطراف متباعدة تتفاعل مصالحها الاقتصادية في بوتقة مشتركة.
واضح أن قضية الأمن بكل محاور تداعياتها ومتعلقاتها حاضرة على كل المستويات وكل خارطة التفاعلات الثنائية والانتماءات العامة في العالم.
وخلال هذا كله يتطلع المختصون والمتابعون لتفهم موقف اللاعبين الرئيسين بدئا من القوى العظمى وحتى القوى الإقليمية ثم بقية الأطراف الداخلة في الصراع على صنع القرار القادم.
بغض النظر عن التكهنات حول ما سيأتي به الغد القريب أو البعيد لمنطقتنا الشرق أوسطية، عربيا وإقليمياً ودولياً، واضح أن جميع الجهات المعنية ترغب في إحداث تغيرات في خارطة مكوناتها. وفي حالة القوى الخارجية اهتمامها ليس بالضرورة للإصلاح بقدر ما هو موجه للسيطرة على مستقبل المنطقة من حيث قدراتها السياسية ومواردها المادية والطبيعية.
ربما قضايا منطقة الشرق الأوسط تأخذ طابع الاستعجال، لكونها انحرفت من قضايا مطالبات إصلاحية حول كيف ومن يدير مقاليد الحكم أو يملي القرار في هذه الدولة أو تلك، إلى قضايا صراع على من يمثل الشرعية ومن هو المعتدي على حقوق من، مع مضاعفات تدخل الجيران في إدارة الصراعات الداخلية، وتأجيج الساحات وتصدير الشعارات والأسلحة عبر الحدود، وتصعيد الخلافات الداخلية إلى حروب أهلية.
النتيجة المتوقعة هي تصاعد الصراعات الداخلية بين الفئات إلى دموية قاتلة، وهدم المدن على رؤوس قاطنيها، وفوضى عارمة، وموت لا يفرق بين الكبار والصغار، ولا بين المؤدلج والسوي الذي يرغب فقط في عيش طبيعي.
تفاقم الوضع إلى تأجيج صراع الإثنيات والمذاهب في منطقة اتسمت منذ القدم بالتعددية العقائدية والمذهبية وتداخل الفئات الإثنية عبر الحدود. وفوق ذلك كله تسرطنت المنطقة كلها ببروز طفيليات داعش وممارساتها المتوحشة الدموية أينما استشرت في المنطقة.
ولذلك أخذت معاناة مواطني المنطقة المنكوبة الآن طابعاً إنسانياً، بسبب ملايين اللاجئين الهاربين إلى حلم البعد عن الموت المحدق بهم إلى أراض بعيدة، تعد بتحقيق أحلام المتضررين في أوطانهم، في عيش كريم ومستقبل يحمي صغارهم ويمنحهم فرصة لحياة ومواطنة أفضل.
ولكن تلك المرافئ البعيدة التي تلتمع عن بعد بحلم اللجوء والأمان والديمقراطية والمساواة، هي أيضا مليئة بأهلها ورغباتهم، وبعض حكوماتها يرعبها تدفق طوفان اللاجئين مهددا بغزو أراضيها وتوليد مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولذا تتعالى أصوات الخلاف حول ما يتخذ من قرار رسمي بشأن اللاجئين. ويتعالى الجدل بين التمسك بالمبادئ الإنسانية وإشراع أبواب اللجوء، وبين المناداة بتشبيك الأسوار وإغلاق الحدود في وجوههم.
ويبقى أننا نتأمل كل نشرة أخبار فنرى تفاصيل المعاناة ونسأل أنفسنا: من أين جاء أساس المشكلة؟ هل أنانية البشر، سواء كانوا مواطنين أو صانعي قرار، فطرة كامنة؟ أم هو إن البشر قابلون للقولبة والتعود على ممارسة الإقصاء والكراهية وشيطنة الآخر، حد السماح بموته دون شعور بالتعاطف الإنساني؟