د. عبدالواحد الحميد
بشَّرَنا وزير التعليم الدكتور عزام الدخيِّل أن الوزارة تقود تحولاً في المنهجية التعليمية والتربوية من أسلوب «التلقين» إلى أسلوب «الفكر الناقد». وقد جاء ذلك في سياق تدشين البرنامج الوطني لوقاية الطلاب والطالبات من الانحرافات السلوكية الذي أُطلِقَ عليه اسم «فَطِن».
هذا الطرح يذكِّرنا بالمنهجية التي حاول وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله- ترسيخها فَوَاجَهَ اعتراضاتٍ كثيرة أعاقت تنفيذ الأفكار التي لو قُدِّر لها أن ترى النور في حينها لاختصرنا الزمن الذي نحتاج إليه الآن ونحن نعيد اختراع العجلة من جديد.
لقد أثبتت النظريات التربوية وتجارب الأمم المتقدّمة أن أسلوب الحفظ والتلقين يحد من إطلاق الإمكانات الإبداعية لدى الإنسان فهو يجمدها عند مستوى المحفوظات التي اكتسبها دون أن تكون لديه القدرة على توظيفها بشكل مبدع في حل المشكلات المتجددة والتحديات المتغيّرة التي يواجهها في حياته.
ربما نكون قد انتبهنا الآن - كمجتمع - إلى خطورة الحفظ والتلقين بعدما انخرط بعض شبابنا في التنظيمات الإرهابية التي استغلت عدم قدرتهم على ممارسة الفكر الناقد ومن ثم قبول بعض النصوص المبتسرة والمأخوذة من سياقاتها. لقد اتضح أن بعض شبابنا الذين التحقوا بتنظيم داعش قد تم تجنيدهم بسهولة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بتوظيف تلك النصوص في الترويج لفكرة تكفير المجتمع. وللأسف فإن بعض شبابنا لا يملكون مهارة ممارسة الفكر النقدي عندما يجدون أنفسهم في مواجهة نصوص يُقال لهم إنها دينية.
نعم يا وزارة التعليم نحن نريد جيلاً فَطِناً لا يصدِّق كل ما يُقال له في هذا العالم الذي تهاوت فيه الحواجز والحدود بين الدول والثقافات. نريد جيلاً متسلحاً بمهارات الفكر الناقد عندما يبحر ع بر «قوقل» في محيط متلاطم الأمواج من المعلومات والأفكار فيفرز الخبيث من الطيب ولا يكون إمَّعة يُصدِّق كل ما يقرأه ويشاهده.
نتمنى أن يُتاح لوزير التعليم تنفيذ أفكاره التطويرية التي قال إنها ستنتقل بالممارسة التعليمية والتربوية من أسلوب التلقين إلى أسلوب التفكير الناقد، وأن يكون برنامج «فَطِن» فاتحة جديدة لتطوير حقيقي للتعليم في بلادنا. فنحن، ولله الحمد، تجاوزنا مرحلة الإنجازات الكمية في التعليم ونجحنا إلى حد كبير في محو الأمية، ولكن يظل أمامنا التحدي الأكبر وهو التطوير النوعي للتعليم.