جاسر عبدالعزيز الجاسر
ماذا وراء كل هذه اللقاءات والاجتماعات والتحركات التي تستهدف حل المشكلة السورية التي لم تعد أزمة مستمرة من أكثر من أربع سنوات، بل مأساة تتجدد، وتصل ارتداداتها إلى أوروبا، بل حتى إلى أبعد من ذلك. فقد تسببت المعارك وبقاء نظام قاتل، دأب على قتل قرابة نصف مليون سوري، في تشريد أكثر من عشرة ملايين مواطن سوري، والآلاف الذين ابتلعتهم أمواج البحار. بعد كل هذه المآسي التي تسببت فيها العديد من الدول، وأكثرها تورطاً ما تسمى بالدول الكبرى التي أشعلت الأرض السورية كساحة معارك بالوكالة، وبعد انفلات الأمر الذي يهدد بوصول الأخطار إلى أراضيهم، بعد أن وصلت أول جحافل اللاجئين والهاربين من ظلم النظام ومن معارك الوكالة إلى أراضي الحلفاء في أوروبا، وما يلامس حدود روسيا، من خلال قرب مقاتلي القوقاز والشيشان الذين انخرطوا في معسكرات تدريب المتطرفين في سوريا، وشاركوا في المعارك؛ ما تهدد عودتهم إلى روسيا بخطورة كبيرة، يحاول الروس القضاء عليها، أو على الأقل تحجيمها بتتبعهم في الأراضي السورية. وهذه أحد أسباب مشاركة القوات الروسية مباشرة في معارك سوريا، وإن بدأت بغارات الطيران الحربي، إلا أنها حتماً ستتبع بتدخل بري وعسكري موسع إن لم تتغلب الجهود السياسية على الحلول العسكرية.
الروس الذين يقودون المبادرات، من خلال تفوُّق رئيسهم فلاديمير بوتين في مناوراته على الرئيس الأمريكي أوباما، يواصلون تقديم الاقتراحات، ويشاركون في اللقاءات والاجتماعات مفعلين من وجودهم العسكري على الأرض السورية بحضور سياسي مكثف، ومحاولين إقناع الأطراف الدولية الأخرى ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد رغم كل الجرائم والفظائع التي شهدتها سوريا. فإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد فرنسا وبريطانيا ألا وجود لبشار الأسد في المرحلة القادمة لحكم سوريا، وهو ما تطالب به الدول الإقليمية، وبخاصة المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والإمارات والكويت.
الموقف الروسي المستمر في دعم رئيس النظام السوري تكرر في الاجتماعات واللقاءات التي شهدتها العديد من العواصم الدولية، وبالتحديد في اللقاءات التي عقدها وزير خارجية روسيا لافروف مع نظرائه وزراء خارجية المملكة العربية السعودية وأمريكا وتركيا؛ إذ كان المطلب الروسي المتكرر دائماً هو إعطاء بشار الأسد فرصة أخرى. والحجة هي الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وأن بقاءه سيساعد في القضاء على الإرهاب، بالرغم من أن كل المعطيات تؤكد أن بقاءه هو الذي يجلب الإرهاب بعد أن ساعد في إنشاء أخطر المليشيات الإرهابية، التي يقول الروس إنهم قَدِموا لمحاربتها. فقادة داعش والنصرة كانوا في سجون بشار الأسد، الذي أطلقهم وتركهم ينظِّمون أنفسهم بعد أن غض النظر عنهم هو ومخابراته؛ ما يكشف أن هذين التنظيمين بالذات هما من صنع النظامَيْن السوري والعراقي حليفَيْ روسيا. فلماذا الإصرار على بقاء بشار الأسد، وهو الإصرار الذي سيخرب كل الجهود الدولية لتعظيم الحل السياسي، وعدم الاقتصار على الحل العسكري الذي يريد النظام السوري وحلفاؤه من المليشيات الطائفية وإيران الاستمرار في تفضيله على أي جهد سياسي؛ لأنهم يدركون أنه لا مجال لبقاء الأسد، وبقائهم بالتالي، إن تم اعتماد الحلول السياسية؟
ولهذا فإن التوسع في تقديم مقترحات لتوسيع دائرة الاتصالات الدولية يهدف إلى تمييع الموقف الرافض لبقاء الأسد؛ وبالتالي الاستمرار في الحل العسكري الذي يعتقدون بأنهم سيفرضون من خلاله الأمر الواقع، وإبقاء بشار الأسد على رأس النظام لضمان مصالحهم.