جاسر عبدالعزيز الجاسر
هل هي هلوسة سياسية لتشويه التاريخ؟!.. أم حيلة التفافية من بنيامين نتنياهو لإثارة زوبعة تشغل الرأي العام العالمي عن التنديد بما يحدث في الأراضي الفلسطينية؟!.
قول نتنياهو من أن مفتي القدس الحاج أمين الحسيني هو من حرض أدولف هتلر على حرق اليهود..!! فرية لا يتحملها حتى اليهود الذين ابتزوا الألمان والنمساويين وكل أوروبا والغرب بمسألة حرق اليهود، وبعد فرض قصة حرق اليهود، وجعلها حقيقة لا تقبل حتى المناقشة، ومحاصرة العديد من المؤرخين والمفكرين الأوروبين لجعلهم يتبنون قصة المحرقة وبنفس النصوص اليهودية، يأتي واحد من داخل البيت اليهودي ليدحض كل ذلك، ويجرد على الأقل هتلر والألمان بالتبعية عن جريمة حرق اليهود، وإقامة كل النصب للتذكير بمحرقة اليهود في المدن الألمانية والبولندية وغيرها من المدن الأوروبية، والتشهير وعزل كل من يشكك في صحة حرق اليهود والذي طال العديد من أكثر المؤرخين الأوروبيين مصداقية واحتراماً، يأتي نتنياهو لينسف أساس القصة، وهي رمي المسؤولية على مفتي القدس الحاج أمين الحسيني الذي استطاع إقناع هتلر بحرق اليهود.
هذا القول ليس فقط هلوسة ولا افتراء بل يفترض أن ينال نتنياهو مثلما نال غيره ممن شكك في صدق حرق اليهود، فهنا تشكيك بالفكرة والمبدأ الذي تمت عليهما عملية حرق اليهود والبناء عليها، فتحميل الذنب إلى من حرض ودفع هتلر للقيام بالحرق يجرد هتلر من عدائه لليهود إلى حد حرقهم، وأن من دفعه للقيام بهذا العمل هو الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، وهنا لابد من إيراد الملاحظات التالية:
1 - فيما يتعلق باقتناع هتلر بفكرة حرق اليهود واضطهادهم، فإنما تنبع من عنصرية هتلر الذي لا يرى قوما وعنصرا يستحق الحياة غير العنصر الآري أي الجرمان الذين يشكلون ألمانيا الكبرى وهي حاليا النمسا وألمانيا، وأنه كان وفق ذلك يحتقر ويضطهد الروس والبولنديين وجميع الأوروبيين الآخرين، كما أنه لا يرى أهمية ولا قيمة للأقوام الأخرى ومنهم العرب والأفارقة، فكيف يثق بمن لا يعترف بقيمته كإنسان ويقبل المشورة منه؟!.
2 - ثانياً اتهام الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وهو الرجل الورع والمتدين والملم تماماً بتعاليم الإسلام التي تحرم حرق البشر أياً كانت أصولهم العرقية وانتماءاتهم الدينية، ويتولى مهمة الافتاء الديني، فلا يمكن أن يشير على أحد أن يقوم بحرق البشر حتى وإن كانوا من غير ديانته، فهذا أمر لا يمكن أن يقدم عليه لأنه يعلم تباعته دينياً ولا يمكن لعالم مثله أن يستبدل دنياه بآخرته.
3 - طبعاً نتنياهو لم يطلق هذه الفرية دون أن يهدف إلى استثمارها سياسياً وحتى مالياً، فنتنياهو الذي يحمل مفتي القدس الحاج أمين الحسيني تحريض أدلوف هتلر على حرق اليهود، يعني تحميل المقدسيين والفلسطينيين مسؤولية ذلك، ومثلما ابتز اليهود والصهاينة ألمانيا والغرب عموماً، وحملوهم نتائج عنصرية وأعمال النازية وحصلوا على مليارات الدولارات والمواقف السياسية المنحازة، بل وحتى تزويدهم بالأسلحة ودعم المواقف الظالمة لإسرائيل، فإن نتنياهو وبإطلاقه فرية تحريض مفتي القدس لهتلر بحرق اليهود يتبعه ابتزاز الفلسطينيين وبالأخص المقدسيون منهم؛ لأن مفتيهم هو من دفع هتلر لحرق اليهود.