د.موسى بن عيسى العويس
* ربما لم يلفت انتباه الكثير من المتابعين في الأسابيع الماضية، وهم يتابعون تقارير وزارة الداخلية والإحصاءات التي أعلنتها بكل شفافية عن معدلات الجرائم بأنواعها المختلفة، (جريمة المال العام) التي انخفضت بنسبة 15 % مقارنة بالعام السابق 1435هـ. وجرائم المال العام يدخل فيها بطبيعة الحال (الرشوة، الاختلاس، غسل الأموال وتزييف العملات).
.. هذه الإحصائيات والتقارير تزامنت مع تقرير لديوان (المراقبة العامة)، أشير فيه إلى ما يقدر بـ(42) مليار ريال صرفت من المؤسسات والأجهزة الحكومية، وما هو مشمول برقابة الديوان من غير وجه حق، أو بدون مستند نظامي سليم.. وهو مبلغ ضخم، ومثير للتساؤل من الرأي العام. وسبق أن أصدر ديوان (المراقبة العامة) تقريراً أكثر إثارة في العام 1426 - 1427هـ، ورصد فيه (109) مليارات، صُرفت بطرق غير نظامية، أو هكذا فهمها الرأي العام وغير المختصين في ذلك الحين. وسواء كان تقرير (وزارة الداخلية) أو تقارير ديوان (المراقبة العامة)، كلاهما مع المقارنة، أعطى تصوراً إيجابياً، من حيث تحسن الأداء، وسلامة رقابة (الأجهزة الرقابية) في المملكة العربية السعودية، تظل هذه المؤشرات دون الطموح المأمول من المجتمع، ومن الحكومة الرشيدة.
* على أي حال، أعتقد أن مثل هذه الإحصائيات تلقى متابعة واهتماماً من (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، ومن المؤكد أنها التفتت، أو ستلتفت إليها، وستستفيد منها، سواء على المستوى المحلي والداخلي، من خلال (مركز البحوث والدراسات) بالتعاون مع القطاعات الأخرى بالهيئة، أو على المستوى الدولي من خلال (منظمة الشفافية الدولية) التي تتابع مثل هذه التقارير، وترصد مستوى التحسن فيها إن وُجد، للاستفادة منها في (مؤشر مدركات الفساد) السنوي، المعني بتقييم الدول في مجال النزاهة والشفافية والوضوح في الأنظمة والإجراءات المالية بشكل خاص، الذي يلقى اهتماماً كبيراً ومتابعة.
* لا يختلف اثنان على أن تقرير الديوان العام الذي نُشر مؤخراً مثير جداً، ويحتاج إلى تفسير وتوضيح أكثر، ربما عن طبيعة الأوجه والبنود التي تم التجاوز من خلالها.. أو نشر على الأقل إحصائية عامة، تصنف المؤسسات في مقدار التجاوز. ومن حق الأجهزة المعنية كذلك أن تتساءل عن مثل هذه الأرقام الكبيرة، رغم التحسن مقارنة بما قبل.
* المواطن هو المستفيد الأول من هذا التحسن المطرد في أداء الأجهزة الرقابية التي تتكامل في المهام والأدوار، سواء كان ذلك ممثلاً في وزارة الداخلية، أو هيئة مكافحة الفساد، أو ديوان المراقبة العامة، أو هيئة الرقابة والتحقيق.
* هذه الإحصائيات تُعدُّ من أقوى الردود والتفنيد على ما يتم الترويج له في القنوات الإعلامية في الداخل والخارج من ازدياد ممارسات الفساد، كالرشوة والاختلاس من الجرائم.. وتؤكد أنه مهما أرجف المرجفون، وبخاصة عند الإعلام المأجور في الخارج، ومن تواطأ معهم، سيظل أداء مؤسسات الدولة يسير في الاتجاه الصحيح، وتحاول مجتمعة سد الثغرات، واستحداث الأنظمة واللوائح، وتوظيف التقنية الحديثة، في سبيل تسهيل الإجراءات والمرونة، والحد من التجاوز على المال العام، الذي هو حق لكل مواطن يحرص على استمرار التنمية في هذا البلد المعطاء؛ لكي يظل بأداء أبنائه وإخلاصهم وتفانيهم في تطويره مضرب المثل بين الدول.
* هناك جدية في الإفصاح والشفافية والوضوح، بدأت كثير من مؤسسات الدولة تأخذ بها، وتعلنها، وأعتقد أنها بهذا الاتجاه تسابق الزمن، وبخاصة في ظل إنشاء (مركز وطني) يُعنى بالقياس العام لأداء الأجهزة والمؤسسات.. وستتم المحاسبة على ضوء مؤشرات ونتائج هذا المركز بوسائله المختلفة التي سينتهجها.
* ربما أن منهج الإفصاح والشفافية والحوكمة سيجد من يحاربه، أو يشكك في سلامة مؤشرات نتائجه وجدواه، لكنه في النهاية هو الذي سيدفع بنا إلى مزيد من الجودة والإتقان، والإنجاز والعدالة، وتكافؤ الفرص أمام الجميع.