د.موسى بن عيسى العويس
* قلّ أن تمر بنا مناسبة (العيد) إلا ويكون لكاتب ما خواطر فرح أو ترح يطلق فيها العنان لخياله، ويبدو أنّ حياة التفاؤل أو السعادة تتضاءل أمام الإنسان وإن حاول أن ينكر ذلك، ولا أدري إلى ما يعزى ذلك ؟ هل هو مرتبط بحياة الإنسان الخاصة والمؤثرات فيها؟ أم أن الوضع السائد المضطرب والظروف التي تعيشها شعوب ومجتمعات (الشرق الأوسط) منذ غزو العراق للكويت وتداعياته السلبية، والنفق المظلم التي دخلت فيه المنطقة، وانتهاء بما يعرف بالفوضى الخلاقة التي أحدثها ما يسمى (الربيع العربي).كل تلك العوامل قد تكون سبباً في هذا الاتجاه الذي أصبح يتنامى لدي، وربما لدى غيري.
* في كل (عيد) لنا مع أحد أقطار العروبة وقفة، بل سبقها وقفات مع قضايا عديدة ألمت ببعض أقطار العالم الإسلامي، أو في بعض الجاليات المتناثرة، أحداث تأتي تباعاً، وفي أزمان ليست متباعدة . تشاكت الأقطار والشعوب، وهي ترى نفسها وقد سلبت منها الحرية، وعبر عن ذلك الواقع فيما قبل، وفي أصدق تعبير وأجزله (محمود غنيم) بقوله:
كم بالعراق، وكم بالهند من شجنِ
شكا فرددت الأهرام شكواه؟
* دائماً وأبداً التاريخ يرصد الحقائق، أو لنقل يتحراها المؤرخون، رغم الضغوطات التي يواجهونها حينما يريد المؤرخ أن يتجرد في السرد بكل شفافية ووضوح، والأدباء، وبخاصة في الأقطار المنكوبة بحكم قربهم من ميادين الأحداث يواكبون المآسي في شعرهم، وكم هم أولئك المؤرخون والشعراء الذين جنت عليهم أقلامهم، وهم يحاولون تأدية الرسالة الوطنية التي أنيطت بأعناقهم.
* اليوم ستدور خواطري، أو بالأصح ستنقل بالأحرف، والكلمات، والصورة ذلك الوصف الوجداني المؤثر للشاعر المهاجر (المدني)، وهو يصف ليلة (العيد) في بيته، في مطارح اغترابه التي أمها مرغماً عليها، إذ يصور حاله، وقد اعتصر قلبه حرقة وألماً، ولفه الحزن العميق، وهو يعاني من قلة ذات اليد، وحوله أم حنون مثقلة بالهموم، وأطفال غرثى لا يعون كل الوعي لما يدور حولهم وفي بيئتهم من أحداث، سوى ما يستقرؤونه من تعابير من حولهم، ولا يجدون لذلك الواقع أيّ تفسير مقنع لهم كأطفال، لاسيما وهم يرون غيرهم، من أترابهم يرفلون بالنعيم، في المأكل، والملبس، والمشرب، والمسكن، يقول :
رأى بني صغار الحيّ قد غنموا
في ليلة العيد أشياء وأشياءَ
فجاء يسأل مالاً لست أملكه
ولو أتى طالبا روحي لما حرما
وعدته، وجفوني حشوها أرق
وعداً تعلّق في أجفانه حلما
لما رأت أمه حالي وحالته
مالت لناحية تذري الدموع دما
* وحالته البائسة تحكي في الواقع حالة الكثير من المهاجرين الذين انقطعت بهم السبل، في أي مكان، وفي أي زمان، ولم يعد أمامهم سوى خواطر شعرية يبوحون فيها، ولهذا ظهر ما يسمّى بـ (شعراء النكبة) . هذا النفر من تلك الفئة قد يكون أسعد حالاً من غيره، إذ ربما يصور حالته المستقرة داخل المدينة التي احتضنته . المأساة الكبرى مأساة اللاجئين، أو المهجرين في عرض البحار، أو في المخيمات المكشوفة التي لا تقيهم لوافح الحر، ولا زمهرير الشتاء . مخيمات تتفشى فيها الأوبئة، وتنتشر الجريمة، وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، في عصر ندّعي فيه المدنية والإنسانية.
ولم يقف ذلك الأديب عند تصوير أولاده، بل امتد خياله، ليصف ذلك الكوخ الذي يسكنه في مهجره، حيث سبب له الكثير من الأرق في حياته، دون أن يلتفت إلى واقعه من حوله من الموسرين:
أجيل الطرف فيه ولست أدري
أأحذر منه سقفاً أو جدارا
أداريه محاذرة فروحي
وروح بني في كف المدارى
هوى من سقفه نصف ونصف
مسك بالدعائم واستجارا
* إذا لم نستطع أن نقدم لهم بعض ألوان الدعم والمساندة المادية، فجدير بنا ألا نبخل معهم بالعواطف.