د. حمزة السالم
في هذه الأيام، يستخدم مراسلو وإعلاميو القناة البريطانية، البي بي سي، القطيف وقضية النمر، كوسيلة لإرباك المتحدث. ومن العوامل التي تسبب ارتباك المتحدث، هو قناعته الجزئية أو الكلية بصحة التهم التي يواجه بها.
فما حدث قبل عام في القطيف من فوضى وترويع لأهلها، حقيقته ضبابية في أذهان السعوديين أنفسهم، السنّة منهم والشيعة، فكيف نتوقع أن يدركه الإعلام الغربي.
والسبب في هذا هو أن الجميع يتصور المسألة كلها بتصور مذهبي، أي بتصور ديني. ويغيب المنطق إذا حضرت الأديان. والناس على أديان آبائهم لقوله عليه السلام « فأبواه يهوّدانه أو يمجِّسانه أو ينصّرانه». والأديان أشد تعلقاً بالنفس من تعلُّق اللغة والعادات، وأعظم أثراً في تشكيل التصور والإدراك للأمور.
فبالتصور المذهبي توهّم الشيعة السعوديون بأنّ لهم حقوقاً ضائعة في بلد غالبيته من السنّة. وبالتصور المذهبي أعتقد السنّة كذلك، أن هناك حقوقاً ضائعة للشيعة عندنا، ولكنها يبررونها بتصور مذهبي كذلك.
وأدى هذا التصور من الطرفين، إلى أن الشيعة قد ظفروا بحقوق وامتيازات أكثر من أمثالهم في المناطق الأخرى.
ودليلي على هذا شاهدان. الأول فيلم صورته البي بي سي، زمن أحداث القطيف. ورفض إعلامنا المشاركة فيه، فأسبغ، غيابنا عنه، تصوراً مخالفاً لما يظهره الفيلم. فالفيلم عرض حشوداً غوغائية، تخرب ممتلكات الناس وتهدد أمنهم، يقودها مشعلو الفتن وعلى رأسهم النمر.
حشود، تتلفظ بألفاظ سيئة وتهدد بتهديدات بعيدة عن الإنسانية. وخطيبهم النمر قائم يخطب فيهم بخطبة لا يرضاها الشيطان، فكيف بالإنسان السوي. كلام قذر، تطاول فيه على كل شيء، فلم يسلم منه أحد حتى رموز الدولة ورجالاتها من الأموات. فكان الأجدر بالمذيعة أن تترجم فيلم قناتها وتشاهده لتدرك أنها مُضللة.
والمطالب التي نقلها الفيلم بالصوت والصورة من ألسنتهم، تتلخص في ثلاثة أمور. الأول :يريدون الاستئثار بالبترول، والثاني طرد كل من ليس منهم، والثالث مطلب بأسلوب الشكوى وهو: تكفير بعضنا لهم وشتمهم لعقائدهم. وهذه مطالب ظالمة معاندة لسنن الله الكونية، ومناقضة لكل الأعراف الدولية ومخالفة لكل الوقائع التاريخية قديماً وحديثاً. فسنّة الله قد اقتضت {إِنَّ الأْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}. فكيف ونحن من ورث الأرض من قبل الشيعة ومن بعدهم.
وما نقله الفيلم عن أحداث القطيف، وعن النمر وما صوّره من أعمال وشغب وإجرام، لا تجيب عليه الشرطة الأمريكية، لو وقع عندهم إلا بالرصاص وبسحب المتظاهرين على وجوههم، مكبلين ترفسهم أقدام الأمن. ولو فعل أمريكي بعُشر ما أتى به النمر، لسحبه الأمن من عقر بيته ولأودع في السجون الأمريكية المريعة.
وسأحتج على المذيعة بما هو مشابه في الدول التي لا تتهمها المذيعة وقناتها. وأساس المقارنة هو الشبه في المطالب التي يطالب بها الشيعة، ولأجلها قامت مظاهراتهم. فهي تشبه مطالب السكان الأصليين في الأمريكتين وأستراليا، إلى اليوم، اللهم أن مطالب الشيعة أظلم وأوسع من مطالب الهنود الحمر، بطش الرجل الأبيض بهم وبمطالبهم مازال قائماً.
فأما مطلب البترول، فكان الأولى بقناة البي بي سي أن يسألوا ممثلي دول الأمريكتين وأستراليا في الأمم المتحدة. عما فعلوا ويفعلون إلى اليوم بالسكان الأصليين. فلم لا يعطى الهنود الحمر البترول، وهم مازالوا يطالبون، حتى بالأراضي والمزارع التي اغتصبها منهم الرجل الأبيض.
وكان الأولى أن يُساءل مندوب أمريكا عن الهنود الحمر. لم هم في فقر شديد وجهل، بينما الرجل الأبيض يغرق في أموال البترول، وأما الشيعة عندنا، فهم لا يختلفون في غناهم وفقرهم عن بقية المناطق، رغم أننا نحن أهل الأرض قبلهم، وأما الرجل الأبيض فجاء محتلاً ناهباً لديار السكان الأصليين.
وأما قولهم إننا نكفرهم ونشتم عقائدهم، فلتسأل المذيعة كنائسهم ورهبانهم عن تكفيرها للسكان الأصليين ونعتهم لهم بالوثنية، رغم أن الهنود الحمر أو السكان الأصليين، لم يتعرضوا النصرانية. وهذا بخلاف الشيعة فهم يشتمون عقيدتنا {وجزاء سيئة بمثلها}، وإن كنت أرى خطأ ذلك، إلا أن هذه النفرة والشتم بين اتباع الأديان والمذاهب أمر حتمي، لا يمكن نزعه، ولكن يمكن التعامل معه بعزله انعكاساته على التعاملات.
وأما مطلب طردنا من بلادنا، فهذه أرضنا قبلهم، ونحن لم نطردهم، ولو طالب منا أحد بذلك لأدبناه أدباً بليغاً. فهذه المطالب الثلاثة كما نص عليها الفيلم.
وأما النمر وأمثاله، فما نقله الفيلم عن النمر فيه كفاية. وأصدق القول، إني لم أكن أتصور حقيقة الوضع في القطيف حتى اطلعت صدفة على فيلم القطيف الوثائقي، التي أخرجته القناة البريطانية البي بي سي، فهالني ما رأيت.
إن حقوق الإنسان مطبقة في حق الشيعة، أفضل مما تطبقه أمريكا في حق الهنود الحمر. بل أفضل مما هو مطبق في المناطق السعودية. فوالله إن الوطن كله يضرب بيد من حديد على من يأتي بمعشار ما أتى به سفهاء القطيف، سواء أكان سفيهنا من نجد أو الحجاز أو من جبال عسير أو سفوح تهامة أو من سهول عرعر أو هضاب تبوك، وكم من إعدامات نُفذت على أبنائنا، وهم لم يأتوا بمعشار ما أتى به النمر. والمجتمع مقر لهذا، ما دامت تقام محاكمة وتثبت عليه الأدلة.
وأما ما أثارته المذيعة، من كون النمر لم يبلغ الثامنة عشر، فأين هي عن أمريكا. فمن 1985- 2003م أمريكا حُكم بالإعدام على اثنين وعشرين شاباً دون الثامنة عشر، بل إن منهم من هو في السادسة عشر. بل إن أحدهم ارتكب جريمته وهو في الرابعة عشر. فلم تتباكون على النمر ولا تتباكون على أبنائكم. فما والله جرمهم بأعظم من جرم النمر. فمجرمينكم قتلوا واحداً، ومجرمنا أزهق أرواحاً كثيرة، وأشعل فتناً إرهابية، وانتم تقصفون قرية كاملة في جرم مظنة وجود إرهابي فيها.
والله لو اتبعت الدولة في معاملتها الشغب في القطيف، موازين العدالة الغربية داخل بلادها، أو اتبعت الدولة موازين تعاملها مع أبنائها من غير الشيعة، لكانت عقوبة مثيري الشغب والفتن في الشيعة ومن يتبعهم من البسطاء والسفهاء أشد حزماً وشدة. وما اتساع صدر الحكومة السعودية وعفوها عما صدر من أبنائها من سفهاء الشيعة، إلا لعلمها بشعور الأقلية ووهمها بالعنصرية، وخاصة سيطرة المذهبية على الفريقين. فالشيعة والسنّة السعوديون إخوان لأب واحد وهو المملكة العربية السعودية. وحقيقة الأمر أنه يقع بينهم من التحاسد والغيرة ما يقع بين الإخوة لأب. وأما النمر وشاكلته فهو من يستغل هذا ليجعلها كفتنة قابيل وهابيل.