محمد آل الشيخ
في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هناك حقيقة لا يتجاوزها إلا المستفيدون من الحرب، أو الغوغاء الذين لا يقرؤون الصراع قراءة موضوعية، مؤداها أن السلام هو السلاح الأقوى والأمضى المتاح للفلسطينيين؛ وأن كل وسائل القوة العسكرية، وكذلك السياسية، ما عدا السلام، هو في يد إسرائيل، وبالتالي فإن أي نزاع عسكري سيكون في صالح المحتل الإسرائيلي، فهذا المحتل هو من يملك كل أسباب الانتصار، بينما أن السلام سيجعل إسرائيل الطرف الأضعف في أي معادلة للصراع؛ كما أن مزاج العالم اليوم من أقصاه إلى أقصاه مناوئ للعنف والحروب، والإرهاب والاغتيالات؛ ما يجعل جنوح الفلسطينيين في نضالهم نحو العنف قضية خاسرة منذ البداية، من شأنها أن تجعل الرأي العام العالمي يقف مع الإسرائيليين ويساندهم، لا مع الفلسطينيين وقضيتهم؛ لهذا فإن الحكومة الإسرائيلية عندما تستفز الفلسطينيين ليثيروا زوابع عنفية، فإنها تكرس وتبرر احتلالهم للأرض الفلسطينية وتوسعهم فيها، ويبتعد عنهم شبح (السلام) المخيف قليلاً. وهذا ما يجعل الإسرائيليين بين الفينة والأخرى يعمدون إلى استفزاز الفلسطينيين ليضطروهم إلى العنف، لتتشكل (صورة نمطية) عن الفلسطينيين عالميًا مؤداها أن قضيتهم (العادلة) ما هي إلا قضية (إرهاب وإرهابيين)؛ وغني عن القول أن العالم اليوم يتحد لاجتثاث الإرهاب واجتثاث ثقافته؛ وللأسف هم ينجحون في مسعاهم هذا بامتياز.
وإذا اتخذنا من العقلانية ومعها الموضوعية سبيلاً لفهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سنصل إلى حقيقة تقول: إن لدى إسرائيل كل أسباب القوة والمنعة المادية الصلبة، وكذلك النفوذ السياسي العالمي، والصوت الإعلامي الأقوى، وليس لدى الفلسطينيين من القوة على الأرض إلا (عدالة) قضيتهم، وحقوقهم الإنسانية المسلوبة، ويهم إسرائيل أن تنتزع منهم هذه القوة، بأي شكل أو أسلوب بإظهارهم كإرهابيين لا كأصحاب حق، وهنا تنعكس سلبية التوجه العنفى والشغب على قضيتهم.
وليس صحيحًا أن الفلسطينيين طرقوا باب السلام، ابتداء من مدريد وأسلو، ولم يجنوا إلا مزيدًا من السلب ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات، كما يقول أرباب العنف؛ فالسلطة الفلسطينية الحالية في الضفة الغربية كانت نتيجة من نتائج السلام، وانضمام فلسطين كدولة في بعض منظمات هيئة الأمم المتحدة هي أيضًا من نتائج الجنوح للسلام، هذا فضلاً عن أن اقتصاد الفلسطينيين في الضفة الغربية أفضل وبمراحل من ذي قبل، بل أفضل من اقتصاديات بعض الشعوب العربية الأخرى؛ إضافة إلى أن ما يخيف الإسرائيليين ويقض مضاجعهم هي (أرحام النساء) الفلسطينيات في الداخل الإسرائيلي التي ستلغي (منتجاتها) مع الزمن التفوق العددي الإسرائيلي؛ غير أنهم يجب أن يدركوا أن طريق السلام طويل، ومتعب ومنهك، ومحفوف بالأشواك والإحباطات، ويحتاج إلى مثابرة وصبر لا يكل ولا يمل، لأنه الطريق الذي لا طريق سواه، طالما أنهم الطرف الأضعف على الأرض، ودعك من الشعارات والعبارات اللفظية، فهي كالزوبعة في فنجان، فلن ترد حقًا ولن تحرر أرضًا، وأمامهم تاريخ نضالهم الماضي فليقرؤه بتمعن ويتجنبوا الانزلاق نحو العنف. كما يجب أن يتنبه الفلسطينيون إلى أن هناك انتهازيين، جعلوا منهم ومن قضيتهم ذريعة لتحقيق أهداف لا علاقة لقضيتهم بها، لتكون ممرًا سهلاً للولوج لقضايا المنطقة، وعلى رأس هؤلاء إيران وعملاؤها كحزب الله والحوثيين مثلاً. فملالي طهران (يتاجرون) بالقضية الفلسطينية، وما يسمى النضال المسلح، والهدف أن يكون ذلك مبررًا مقبولاً للتوسع الإمبريالي الإيراني في المنطقة. ولذلك اختار الإيرانيون التحالف مع المتأسلمين الفلسطينيين، الذين لا تعنيهم قضية فلسطين كثيرًا، قدر ما يطمحون إلى إقامة (دولة الخلافة) وإلغاء الأوطان، بل هم على استعداد لأن يبيعوا القضية الفلسطينية بقضها وقضيضها، لإقامة خلافتهم.
وهنا لا بد من القول إن من أخطر الأخطار التي تكتنف القضية الفلسطينية، أن تختلط بطموحات التأسلم السياسي، ومساوماتها، سواء كانت سنية أو شيعية، فيجب أن ينأون بها وبأهدافها عن هذا التوجه الخطير، لا سيما أن صراعات التأسلم السياسي أخذت مؤخرًا منحىً مذهبيًا من شأنه أن يجعلها (تتقزم) لتكون قضية طائفية، لا قضية شعب بمختلف طوائفه وفئاته، وهذه تداعيات في غاية الخطورة، إذا لم يهتموا بها، ويتوقظوا لتبعاتها ومآلاتها التشرذمية، فستكون إسرائيل هي أول العاملين على تكريسها وتجذيرها، لتصبح حقيقة على الأرض فالقضايا ذات المنطلقات الطائفية لا يمكن إلا أن تكون قضية خاسرة في نهاية المطاف.
ودائمًا ما أقول إن القضية الفلسطينية هي بلا شك من أعدل القضايا المعاصرة اليوم، لكنها كالقضية العادلة التي يتولاها محامٍ فاشل، قد يكون يحمل أعلى الدرجات الأكاديمية في التربية مثلاً، لكنه لا يفقه شيئًا في القانون، لذلك يخسر كل قضاياه.
إلى اللقاء