علي عبدالله المفضي
وهي اقتفاء شاعر لشاعر آخر بقصيدة أخرى على نفس البحر والقافية والموضوع، ومحاولة تفوق المتأخر على المتقدم بالجزالة والقوة والإبداع، وتناول الموضوع بشكل مختلف عن تناول السابق له أو تأييده فيما ذهب إليه، وقد عُرفت المعارضات منذ العصور الأولى للشعر، ومعارضات الشعراء لقصائد بعضهم البعض أكثر من أن تحصى، ويطلق عليها البعض (مجاراة) لظنهم أن معارضة القصيدة قول قصيدة مضادة لها، وهذا الظن مجانب للحقيقة، فالقصائد المضادة أو المعترضة على معناها لها مسمى آخر، إذ يطلق عليها النقائض، وأكثر ما يحدث ذلك في قصائد المهاجاة بين الشعراء وإظهار كل شاعر لمثالب الآخر.
وقد أنتجت المعارضات قصائد عظيمة، أضافت إلى الشعر الكثير من الجمال والإبداع، وفي كتاب البروفسور الدكتور عبد العزيز اللعبون (المجموع الثري لمعارضات الحصري) الكثير من القصائد الرائعة، حيث تناول القصائد المعارضة لقصيدة (يا ليل الصب متى غده ... أقيام الساعة موعده) للحصري القيرواني، وقد بلغت القصائد المعارضة لها قرابة المائتي قصيدة، أبدع فيها الشعراء كل حسب مقدرته وشاعريته.
وفي الشعر الشعبي هناك الكثير من الشواهد على إثراء المعارضات للشعر، وتفنن الشعراء بصياغة قصائدهم والإبداع الذي وصلوا إليه، فكان إضافة جميلة ورائعة لكنوز الشعر، مع أن هناك من أساء إلى القصيدة الأصل بمعارضة (مجاراة) رديئة أفقدت الأولى شيئاً من جمالها، حتى بالإشارة إلى سوئها مقارنة بالأصل يقول الشاعر:
لم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقد خبت وتراجعت المعارضات كثيراً في الوقت الحاضر، لتراجع دور الشعر في المسامرات والمجالس، بعد أن كان له الحظ الأكبر في المتعة والفائدة وملء الوقت ببدائل كثيرة ليس من بينها الشعر والأدب.