عبدالحفيظ الشمري
منذ أعوام، أو منذ عقدين ماضيين وحتى الآن ونحن نقرأ الكثير من التحليلات، ونتابع معظم التوقعات والهواجس حول نضوب المياه الجوفية وانحسارها، فكانت الرؤى المتشائمة تطغى على كل الحوارات والتوقعات والتكهنات، فجاءت المقاربات عاجزة عن تقديم أي حلول ممكنة، مما قد صوَّر للبعض أن فرص النجاح غير ممكنة، والتجارب غير موفقة في مجال حماية موارد المياه، ورفع مخزونها الجوفي.
وحينما نقر بأن هناك أخطاراً ما تحدق بالتجربة التنموية في مجال ترشيد الماء، وحماية مصادره، وصيانة منابعه فإن الوضع لا يزال في حالة من التجاذب والأحاديث والتنظير المستمر، مع كم هائل من الاستنتاج المفرط في تشاؤمه رغم أن جهوداً تبذل من خلال الورش العلمية، والندوات والتوجيه والحملات الإرشادية، إلا أن نتائج هذه الجهود قد تكون محدودة، وغير مؤثرة في مجال خدمة المياه ورعايتها بشكل مناسب.
فالمنظمات العالمية ومراكز الأبحاث تؤكد أن تناقص مصادر المياه الجوفية حقيقة ماثلة للعيان، ويجب النهوض فوراً إلى تعزيز قدرات الدول التي تُعاني من ندرة المياه كالأنهار، والعيون، والآبار الجوفية لا سيما في معظم مناطقنا العربية التي تشير إليها الكثير من الرؤى بأنها تقع في دائرة الخطر المتمثّل في شح المياه الجوفية، وتواري الكثير من مصادرها المعروفة منذ قرون.
إلا أن بعض الدراسات الحديثة تلفت الانتباه إلى أمر في غاية الأهمية يتمثّل في إيجاد بدائل لمصادر المياه؛ على نحو أهمية استغلال المياه المحلاة، وتوفير هذه المياه الجوفية، بل إن هناك من أكد على ضرورة قيام العديد من محطات تحلية المياه المالحة على شواطئ بحار الدول من أجل قيام ثنائية الطاقة الكهربائية والمائية، لتوفير الكهرباء للمصانع العملاقة، ولإنعاش الموارد المائية، وتخزين كميات هائلة منها، لتخدم المخزون المائي في باطن الأرض.
وحينما نأخذ مثالاً على ذلك مناطق الجزيرة العربية ودول الخليج العربي يمكن لنا أن نستفيد من فرص إنتاج الطاقة ومن ثم إنتاج الماء المُحلى، وضخه للمدن والمناطق الداخلية بشكل كبير وبكميات هائلة، ليتم تعويض هذا النقص، وذلك من خلال تغلغله في مسامات الأرض، ليغذي المجاري الجوفية، ويسهم في رفع منسوب المياه الصالحة للشرب خدمة للإنسان، وسائر المخلوقات.
فحينما تنشط طاقة تحلية المياه المالحة وتتطور ويتم جذبها من مناطق المصانع على السواحل إلى المدن، وذلك من خلال وسائل حديثة؛ على نحو النقل بالتبخير والذي يُعد مشروعاً طموحاً يمكن أن يقضي على ظاهرة الجفاف وندرة المياه في غضون السنوات القليلة القادمة، أي أن نمو الموارد المائية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم دوران عجلة التصنيع التي ستوفر لنا الكثير من المياه الصالحة للشرب.
فالباحثون الجدد في أمر الطاقة المائية يؤكدون على أن هناك الكثير من المشاريع والتصورات المتفائلة التي تعكس تماماً ما كان يُقال عن أن هناك فشلاً مؤكداً في مشاريع تحلية المياه، والسبب أن وسائل توفير المياه العذبة تطورت آلياتها، وباتت ميسرة وسهلة وذلك من خلال الكثير من الوسائل الحديثة، ومنها - كما أسلفنا - النقل من خلال التبخير إلى الكثير من المناطق، حيث توفر هذه الطريقة الجهد والتكاليف، وتسهم في غزارة المياه العذبة، لتخدم المخزون المائي على نحو الآبار في مستوييها السطحي والجوفي.