محمد بن عبدالله آل شملان
وسط تلال الأخبار غير السارة بالمرّة التي ما انفكت تنهال دون توقف من أجهزة الإعلام العربية والعالمية والتي معها طار كل لون للفرح وخبت الابتسامات مِنْ على الشفاه ؛ ذلك أن الواقع التعيس لوطننا العربي بل والعالم أجمع لم يعد ينتج إلا أخباراً أكثر تعاسة وبؤساً تعبر عن واقع حاله بل وتزيد من تكريسه وتجذيره.. وسط ذلك كله يأتي الخبر السار الذي حملته وكالات الأنباء قبل يومين والذي احتل مكانه في الصفحة الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من هذه الصحيفة الغراء (صحيفة الجزيرة) لعدد يوم الأحد 19 محرم 1436هـ الموافق 1 نوفمبر 2015م العدد 15739 عن فوز إعلامينا وكاتبنا الكبير خالد بن حمد المالك رئيس التحرير أحد أبرز قمم الشوامخ الثقافية والإعلامية في وطننا المتباهي، بجائزة البحر الأبيض المتوسط للصحافة والإبداع 2015م ـ وهي جائزة كبرى تمنح سنوياً لمن له مجال الانفتاح الفكري والأعمال الرائدة في مجالات متعددة - يأتي ليرسم على شفاهنا ابتسامة فرح أزالت من النفس بعض أحزانها ومسحت بعض جراحها الغائرة.. ذلك أن للمالك العزيز في القلب حباً كبيراً.. وله المكانة العظيمة والتقدير الكبير وهو فوق ذلك رمز شامخ يعتز به ويعكس نجاحه دون شك نجاح الوطن الذي أحبه المالك كثيراً وأعطاه ومازال من نبضه وعشقه الكثير.. والكثير.
فكاتب « وطن النهار « وصاحب الصوت الشجي المتدفق عشقاً وعذوبة استطاع بفضل عطائه الوافر أن يحمل نبضات الوطن زنبقة جميلة تضوع أريجاً وعطراً خارج إلى خارج حدود الزمان والمكان، وكان « الوطن الكلمة « معه هو الأروع والأزهى والأكثر قبولاً لدى من غابت عن عقولهم ملامح خارطة الوطن والإنسان.. فالمالك رمز كبير للعطاء في مجالات الفكر والأدب والنضال لا في وطنه فحسب بل وفي الوطن العربي وفي العالم وهي حقيقة تجسدها أعماله ومواقفه.. ولهذا يأتي فوزه اليوم بجائزة البحر الأبيض المتوسط للصحافة والإبداع 2015م مميزاً ومفرحاً بعد أن أحرز النجاح الكبير قبل ذلك حين أجمع أعضاء لجنة التحكيم المنتمين لـ43 دولة في مؤسسة البحر الأبيض المتوسط العالمية على ترشيحه لنيل هذه الجائزة العالمية القيمة.
لقد ناغى قلم المالك فكره وعينيه فأضمر الوعي والثقافة وتهامتْ كلماته الفوّاحة في بهو ترسيخ ثقافة الحوار والسلام وعزفتْ أفعاله في خطو بناء الصروح الحضارية القوية المتينة وإرساء مقاليد بعد النظر والانفتاح الفكري حتى أصبحت شامخة الوقع وعريقة الكبرياء الذي أهدى الفضاء المتوسطي والوطن العربي طوابير أجيال من المفكرين والصحفيين المرموقين الذين أصبحوا بدورهم مسؤولين ومتجلين في منابر إعلامية متعددة ونافذة.
لقد اشتعلت رؤى المالك عبر قلمه في هزيع العولمة، يبحث في سفر اللغة حيث الحرف والكلمة والجملة عن عذارى الأسطر، ومعان تنبت الحلول الناجعة من سنا مرتكزات الوسطية التي جاء بها الإسلام، ومن نسغ الوجد ولحن رسم منهج الحوار البعيد عن غواشي التنافر والصراع الناجم عن التعصب والانغلاق. ومن بين أحدث عناوين مقالاته « هل من مجيب؟!» و «داعش وأخواتها!» و «ثقافة الكراهية» و«أفيقوا يا عرب!» و«مستقبل اليمن والمنطقة إلى أين؟» و «حين يغيب القرار الصحيح» و «يريدون أن نكتوي بالإرهاب ولكن؟!» و «للعالم.. وللتاريخ» و«القمة الإسلامية : المكان والزمان والتطلعات» و«أصغوا إلى صوت العقل والحكمة قبل فوات الأوان» و«بين السُّنِّي والشِّيعِي في المملكة» و«إلى أين نحن ذاهبون؟!» و «ولكم ما تستحقون!!» و«المجد لك يا سلمان» و«لكي نفهم..؟!» و«اليمن الجديد!» و«هل من إعادة نظر في علاقاتنا مع الآخرين؟!» و«لكي لا تضيعوا يا عرب!!» و«بين الحقيقة والافتئات عليها!» و«ما تفسير موقف الروس من العرب؟» و«نعم لهذه المشاهد الجميلة!»، «تسلم يدك سلمان» و«اليمن ليس سوريا والعراق..؟!» و«التحديات لا تنتهي بإنقاذ اليمن!» و«بين إنهاء عملية عاصفة الحزم وبدء عملية إعادة الأمل!» و«روحاني المفتري على الواقع»، «دروس من عاصفة الحزم وأخرى من إعادة الأمل !» و«توقفت العاصفة.. وبقي الحزم»، تلك عناوين فقط رصدْتُهَا على عجل وكتب تفاصيلها المالك على مهل، استكشفتْ ـ بحق وحقيقة ـ المشروع الكتابي الخلَّاق الذي يخص المالك وحده، المعتمد في جوهر بنائه على التركيز والإلمام بالموضوع والإيجاز والموهبة والفكر والتعقل والرزانة والاستدلال العقلي المحكم، وهي الأمور ذاتها التي جعلت منها عدسة زوم على بلوغ هدفه والإقناع بوجاهة رأيه واحترام مخالفيه.
تشهد على أسلوبه هذا أيضاً بكل وضوح ونصاعة، مؤلفاته وكتبه التي سهر عليها عبر تفاصيل الحياة وحوادثها في كتب : حمد المنصور المالك - سيرة حافلة بالعطاء، أبكيك يا ولدي، رحلة ملك، العواصم الإسلامية بين حلب وطشقند، مشاركات منبرية، رؤيتي الصحفية، بروق الخير، عيناي تدمعان، فقيد الشورى ذو الأمانتين، للتاريخ ولغازي القصيبي، دور الصحافة في دعم قطاع السياحة والآثار - صحيفة الجزيرة مثالاً، التجربة الصحفية بالمملكة في ضوء منهج الاعتدال السعودي، اختفاء الصحافة الورقية متى وكيف؟.
وقد حملت الصحافة، المالك للمشاركة في كل ما له علاقة في المجتمع المدني أو في الخدمات العامة، فقد تولى رئاسة مجلس إدارة مدارس الرياض (البنين والبنات)، كما أنه مؤسس وعضو في كثير من الجمعيات الخيرية ؛ وبالإضافة إلى نجاحه كصحفي قيادي , فهو مشهود له بحسن الإدارة، ولهذا فليس غريباً أن يكون أحد عشرة أشخاص هم أعضاء الشرف على مستوى المملكة، والوحيد من بين رؤساء التحرير في المملكة العربية السعودية في جمعية الإدارة السعودية. الذي نال وصف « ولي عهد الصحافة « من الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ تقديراً لدوره في خدمة الصحافة والعمل في مجالها.
بدأ تكوين الإرث الذي حمله خالد المالك بوصفه رئيس تحرير صحيفة الجزيرة عام 1392هـ ليسجل أول نجاحاته بتحويلها من مطبوعة أسبوعية ليومية لتقارع وتفارع صحف الداخل والخارج، وأشرف على تحرير وإصدار صحيفة المسائية قبل أن تتوقف بعد 20 عاماً على صدورها، مكث المالك غير بعيد من العمل الصحافي استراحة محارب ليعود إلى الكرسي الذي كرّس له جلّ وقته واهتمامه في عام 1419هـ بعد توقفه ما يقارب عقداً ونصف العقد. فكانت أعماله وأفكاره التي ولعت بمسارات المنتجات المبتكرة والتقنيات الفريدة الجديدة التي تعد الأولى على مستوى الشرق الأوسط بالإضافة إلى التدريب والتأهيل وكراسي البحوث وهيئة المسؤولية الاجتماعية والخدمية.
أتذكّر أنني كتبت عن (خالد المالك) قبل حوالي خمسة أشهر بعد فوزه بجائزة الإبداع الإعلامي للعام 2015م من قبل الملتقى الإعلامي العربي الـ12 بالكويت وقلت : «سعادتي على المستوى الشخصي غامرة بهذا التكريم الذي حظي به الأستاذ خالد المالك، كما أقرّ إن إنصافه لا يأتي من خلال كتابة عابرة كهذه، بل يتأتّى إنصافه عن طريق التأمل الواعي في مسيرته الإعلامية وقراءتها قراءة فاحصة وإعادة تقديمها بقراءات عديدة تُسهم بشكل كبير وبسيط، في ذات الوقت، في تبصير هذا الجيل والأجيال اللاحقة بهذه المدرسة التي يمثلها المالك وبأهميته أن ينهل منها ويستقي مفاهيمه وقيمه وأخلاقياته ومبادئه الوطنية والإنسانية منها «.
وبعد... بهذا الفوز المفرح الذي يستحقه مثقفنا وإعلامينا الكبير عن جدارة واقتدار يبرهن المالك الرمز على قدرته في تجاوز كل الحدود وامتلاك خاصية النفاذ للوصول بثقافتنا وإعلامنا إلى أوسع الآفاق الرحبة والإسهام في مجالات العطاء والإبداع الإنساني.. وإن من شأن ذلك كله أن يحقق لوطننا في مجالات الإبداع الفكري والثقافي والإعلامي المكانة العالمية التي تتعزز مع كل نجاح جديد ومع كل عطاء متجدد ينقل إلى الآخرين في قارات الأرض جميعها صورة وملامح السعودية البديعة.. السعودية الخصيبة.
ومن أعماق قلوبنا ننقل لرمزنا الإعلامي الأدبي الكبير رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك ـ الذي يمثل بحق مؤسسة إعلامية متكاملة الجوانب قائمة بذاتها ـ خالص التهنئة بهذه الجائزة التي هي وسام شرف عظيم يهديه المالك الابن إلى الأم العظيمة «المملكة العربية السعودية».