عماد المديفر
نشهد هذه الأيام حملات دعائية شعواء ضدنا من كل حدب وصوب، بل هي حرب إعلامية مخططة بشكل جيد، متورط بها مؤسسات رسمية، ومنظمات أهلية، وأخرى إرهابية «كالإخوان المسلمين»، وصحف غربية، وكتاب. وبالتأكيد، فإن هذه الحملات ليست عشوائية، أو محض مصادفة، بل لها داعموها الساعون لتحقيق أهداف محددة؛..
.. فالأمر أبعد من مجرد الإساءة لصورة المملكة قيادة وشعباً، فكراً وهوية..
إنها حرب دعائية بمعنى الكلمة، قائمة على قدم وساق، شعارها الكذب، وتزوير الحقائق، تعمل على مسارين، وبخطابين مختلفين: الأول: عبر تضليل الرأي العام الدولي بإعطاء صورة بشعة تجاهنا، وصولاً إلى شيطنتنا، في سعي حثيث لعزلنا عن الأصدقاء والحلفاء من جانب. والثاني: نشر الفرقة وشق الصف في الداخل عبر طابور خامس، زرعه العدو، أو تحالف معه، وليمثل تنظيم الإخوان المسلمين في الداخل نواته الحقيقية.. هذا التحالف الشيطاني القائم على الغدر والخيانة يستهدف نزع الثقة عن مصادر التلقي الرسمية وشبه الرسمية لدى الجماهير السعودية، عبر وسمها بـ»التصهين» تارة، و»التشبيح والاسترزاق» تارة أخرى. وفي المقابل، يتم تزيين مصادر حزبية عميلة لتحل محلها؛ ليعملوا من خلالها على السيطرة على قلوب وعقول أبنائنا؛ ليسهل توجيههم نحو ما يخدم مصالح العدو من حيث لا يشعرون.. وهو الجانب الثاني من هذه اللعبة القذرة! إنها حرب دعائية خبيثة، تدار بحرفية عالية، ومن يحاول أن يقلل منها فهو إما جاهل متخاذل أحمق، لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، أو عميل! وكنت قد تناولت في مقالات سابقة في صحيفتنا العريقة «الجزيرة»، وفي صحف ووسائل إعلام مختلفة، موضوع «الدبلوماسية الشعبية» أو «الدبلوماسية العامة» Public Diplomacy، ومدى أهميتها، كعنصر فاعل جداً في تحقيق الأمن الوطني، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي. وأجدني في هذه المرحلة المفصلية أعيد طرح هذا الموضوع البالغ الأهمية على الصعد كافة.
لا شك أن ما نتعرض له من حملات تشويهية ليس جديداً؛ إذ يرى المراقبون أن هذه الحملات تتصاعد وتيرتها عند كل موقف تقفه المملكة دفاعاً عن الدين الإسلامي الحنيف من أن يختطفه المختطفون، أو يسيء إليه أعداؤه من إرهابيين وعملاء وغيرهم. وتزداد هذه الحملات وحشية وشراسة حين تنجح المملكة في حماية مصالحها ومصالح الشعوب العربية والإسلامية؛ كونها منارة الإسلام، ومهد العروبة، وقِبلة المسلمين وموئل أفئدتهم، وحصنهم الحصين.. وهو ما تم فعلاً حين أسهمت المملكة بفاعلة في حماية واستقرار الشقيقة الكبرى (مصر)، وفي نجدة الشقيقة والجارة القريبة (اليمن)، وقبلها البحرين، ودعمت ودافعت بقوة عن الشعب العربي السوري الأبي في المحافل الدولية، وعلى أرض الواقع، وقبل هذا وذاك وقوفها التاريخي القديم والدائم بكل ما تملك لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق، والأمثلة كثيرة.. فالتاريخ المعاصر يقول إن المملكة هي الناصر الأول والمعين لكل ما من شأنه حفظ المصالح الحيوية للشعوب والدول العربية والإسلامية، بل وبقية الشعوب والدول المحبة للخير والسلام، وهو بالتأكيد ما يغيظ أعداء الحق والسلام؛ ليستهدفوها بكل ما يستطيعون من سُبُل.
وقد ذهب بعض الزملاء والكتّاب والمتابعين للتساؤل عن دور وزارة الخارجية في مواجهة هذه الحملة الشرسة، وغاب عنهم أن للعمل الدبلوماسي الرسمي مهامه وواجباته المحددة سلفاً وفق القوانين والأعراف الدبلوماسية، وأن الدبلوماسية السعودية نجحت نجاحاً باهراً على الساحة الدولية، ليس آخرها استصدار قرار مجلس الأمن 2216، ولا تحقيق التئام التحالف الدولي الداعم للشرعية في اليمن بوقت قياسي جداً، الذي كان بمنزلة «الصدمة» للكثير من الأنظمة والأجهزة الاستخبارية غير الصديقة، التي لم تتوقع أبداً مثل هذا التحالف الذي يمتاز بالقوة والاتساع، وبهذه السرعة. والأمثلة تطول.
إذن.. كيف السبيل لمواجهة هذه «الحرب» القذرة؟
إن إدارة أزمة كهذه تندرج تحت مفهوم العمل «الدبلوماسي الشعبي» أو «الدبلوماسية العامة»، التي هي أقرب ما تكون إلى ما هو موضح في نموذج «القوة الناعمة»، التي تقوم فكرتها في الشؤون الخارجية على أنها القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية، وليس الإكراه أو الصرف والإنفاق والمكافأة المالية. وذلك عندما تجعل الآخرين يريدون ما تريد، دون الحاجة لأن تدفع باتجاه سياسة العصا والجزرة لتحريك الآخرين في الاتجاه الذي تريد، ويحقق مصالح دولتك. وهي بذلك اتصال ذو اتجاهين لبناء العلاقة مع الشعوب وقادة الرأي في الدول الأخرى للدفع باتجاه تبنيهم - عن قناعة - لما يحقق أهدافك السياسية الخارجية.. وهي عملية طويلة، معقدة، ومستمرة، ومخططة، وليست مجرد رد فعل وقتي أو ارتجالي قد يتسبب بآثار سلبية، أو على أحسن الاحتمالات لا يحقق ما هو مأمول منه من نتائج..
لقد أضحى وجود رئاسة عامة للدبلوماسية الشعبية «الدبلوماسية العامة»، تكون متصلة مباشرة بمجلس الشؤون السياسية والأمنية، ضرورة ملحة اليوم، وقد سبقتنا لذلك العديد من الدول المتقدمة. أكمل مفصلاً الأسبوع القادم بمشيئة الله. فإلى اللقاء.