د. جاسر الحربش
ليس في هذا المقال أية معلومات جديدة. فيه عرض حال لحقيقة ممضة استعصت على الحل لأسباب غير مقنعة. من أكبر متع الحياة استلام الأجر المجزي لقاء العمل والعودة إلى المنزل الخاص ورائحة الأهل والأبناء والأحفاد في جنباته. ما قيمة الحياة وما طعمها بلا عمل ولا سكن؟. لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال بما يكفي من الإحساس سوى من فقد الاثنين، العاطل والساكن بالإيجار.
السؤال بذاته يشبه السؤال عن قيمة الحياة عند مصاب بعلة مستعصية على الشفاء تجعله عالة على الآخرين، الأقارب والأباعد. هنا يقال الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وهناك يقال العمل والسكن الخاص نعمتان لا يراهما إلا من افتقدهما.
الدولة المدنية الحديثة تزدهر أو تضمر بناءً على درجة توفير هذين الأساسين للحياة بضمان اللوائح والقوانين، لحصول المواطن على الأجر المجزي مقابل أداءه العمل المطلوب، سواء عند الدولة أو في سوق العمل المفتوح، وعلى السكن الخاص المناسب بطريقة التحكم الاقتصادي الملتزم أولاً بحق المواطن في حصته من أرض وطنه مقابل الحد من التربح الربوي للمتاجرين بالأرض. امتلاك الإقطاعات الشاسعة مقابل ثمن زهيد، أو كمنح حكومية بلا ثمن، ثم تسويرها وتشبيكها وتعطيلها عن المشاركة في حل مشاكل التنمية، مع المضاربة الربوية بها مثل السلع الإنتاجية والذهب والفضة والألماس، هذا الوضع أوجد خراريج متقيحة في التركيبة الطبقية الاجتماعية السعودية وفي أنظمتها التشريعية والتنفيذية. الوعود بفتح هذه الخراريج وتفريغها من القيح ليتعافى الجسد الاجتماعي وتصدق الأنظمة، تكررت كثيراً ولفترات زمنية أطول مما تسمح به الظروف الاقتصادية والانسجام الطبقي الاجتماعي.
الحديث في هذا الموضوع يجب أن ينظر فيه بجدية حاسمة وبسرعة قصوى، لأن العطالة تعني الحاجة والفقر، وفقدان الحق في حصول المواطن على حصته المناسبة من وطنه يعني عدم الاستقرار والشعور بالضياع والظلم. الناتج النهائي من هذه الخلطة لا يستعصي على استنتاج العقلاء العدول.
الصحة والتعليم والأكل والملبس، كل هذه مجرد توابع للاستقرار المعيشي الذي بدونه لا يستقر الأمن الوطني. الحصول على الأجر المجزي مقابل الأداء المناسب في العمل، وعلى البيت الخاص، هذا هو الاستقرار المعيشي وهذا هو النص الأصل في التعايش الاجتماعي، والبقية حواشي كمالية.
ملاحظة أخيرة: ربط حل مشكلة الإسكان والبطالة بتغيير ثقافة الشعب السعودي أعتبرها مجرد فذلكة احتيالية للتعبير عن العجز والفشل والتسويف، والشكوى إلى الله.