د. عبد الله المعيلي
من سنن الله في خلقه، أن جعل الخلق مختلفين، في ألوانهم وأشكالهم، في أطوالهم وأوزانهم، في لغاتهم وأساليب تفكيرهم وقدراتهم العقلية، في إدارة شئون حياتهم وسلوكاتهم، وجعل هذا كله وغيره بمقدار، وبالتالي الكل راض بما ارتضاه الله له وقدره، ويعد هذا الاختلاف من خصوصيات حياة بني البشر المميزة لهم، المهم أن تنتظم الحياة في الأطر العامة، المشتركة بين الغالبية، المتوافق عليها، التي تعد الحاكم العام للسلوك، الضابطة له من الزلل والانحراف، والمتفقة مع الثوابت والأصول التي يؤمن بها جل أفراد المجتمع ويعدها المصدر الرئيس لمنهاج حياتهم، وسن التشريع والقوانين التي تنظم علاقاتهم ببعض، لتنتظم حياتهم في أمن وأمان وسلام، الواجبات معروفة، والحقوق محفوظة، لا بغي ولا ظلم ولا عدوان.
وحيث إن القدرات العقلية لبني آدم متفاوتة، منهم من يمتلك قدرات عقلية مميزة، في الإدراك والفهم والتحليل والاستنتاج والحكم، ومنهم دون ذلك من حيث كفاءة القدرة ونضجها، وبالتالي هناك هامش واسع من الاحتمالات والتفاوت في تناول الأمور، وفي طرح الرؤى حولها، داخل الإطار الواحد، وعلى البنية المجتمعية أن تكون واسعة الصدر في تفهم ذلك وتقبله، والتعامل مع الناشز منه بالحكمة، والقدرة على الاستيعاب دون تصادم أو إقصاء، بشرط عدم التمادي والإصرار على تحدي المجتمع ومصادمته من قبل الطرف المخالف الذي غالباً ما يكون خارج الإطار العام للمجتمع.
فطالما أن التناول يتم في وضح النهار، وبنوايا يجب أن تحمل بالظن الحسن إن وجد لذلك مدخلاً، وأخص الأمور التي يسمح بتناولها والاجتهاد فيها بصفة من المرونة العالية، وسعة الأفق والاستيعاب، أما ما عدا ذلك مما يخشى منه على الثوابت، وسلامة الأطر العامة، وأمن المجتمع وسلمه وسلامته، فدونه خرط القتاد، مما يعني أن على من ينوي تخطي الأطر العامة، والإخلال بالأمن الاجتماعي، أن يراجع نفسه، ويحسب ألف حساب، لما سوف يترتب على التخطي من ردود أفعال، وغضب مجتمعي، وصراع فكري، يشغل المجتمع عما هو أهم وأولى، ويفضي إلى تشظي البنية المجتمعية وتناحرها، بدلاً عما يفترض بها أن تكون عليه من تلاحم الصف، ووحدة الكلمة، وتعاضد وتعاون، وشعور بالوحدة والتآلف، والعيش بأمان وسلام.
إن مما لا يمكن تسويغه وفهمه، أن يأتي أحدهم ومن مدخل حرية الرأي، أو الاجتهاد الذي لم يبلغ منزلته في التوفيق والسداد، لكونه شخصاً لا يحمل المؤهل الذي يخوله ذلك الاجتهاد، ويجيز له تناول الأمور التي تعد في منزلة المسلمات، التي لا يجوز الخوض فيها والاجتهاد، تحت أي من المسوغات والذرائع التي يتكئ عليها البعض في تبرير موقفه، لكون هذه الأمور التي لو ترك الحبل فيها على الغارب، لأفضى هذا التناول إلى فساد الحياة المجتمعية، وزعزعة الأمن الاجتماعي، وتشظي الرأي العام، وفتح أبواب للتربص والكيد، والتشكيك في النوايا والمواقف، والتناحر والتدابر بين أفراد المجتمع، وأصحاب الرأي، والمذاهب الفكرية والعقدية، فيلهو المجتمع في الانتكاسة على نفسه، يعض بعضه بعضاً، والعدو يراقب فرحاً مسروراً، أو يتجاهل ويضرب عرض الحائط بالتوجهات والتوجيهات التي تؤكد دائماً على وحدة الصف والكلمة، وعلى الألفة والتآلف بين البنية المجتمعية وحمايتها من التباغض والتشظي، والتناحر والتدابر، والتباعد والاستبعاد، نظراً تشكله لما هذه الحالة من خطورة آنية ومستقبلية.
ولهذا على من ابتلي بهذه البلوى، بلوى تتبع السقطات، وتأويل المقولات، والطعن في النوايا والذمم، واعتبار المختلف عدوا، والتحريض عليه، والتحذير منه، على هذا المبتلى أن يتقي الله في نفسه، وأن يراجع مواقفه، ويعود إلى رشده، وأن يضبط قلمه ولسانه بهدي المصطفى محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، «أشققت عن قلبه».
إن تأويل المواقف وتحميلها ما لا تحتمل، خلق غير رشيد لا يليق بالعقلاء.