أ. د.عثمان بن صالح العامر
الأشياء التي تبدو في عيون عامة الناس أموراً طبيعية لا يلقون لها بالاً، ربما عدّها الصالحون المصلحون وأهل الاختصاص المبرزون الواعون والباحثون الأكاديميون القلقون على مستقبل الأجيال، وصناع القرار الشوريون و... مواضيع وشواهد توجب الوقوف عندها ومطارحتها والتفكير فيها عاجلاً لا آجلا، إذ يرونها إرهاصات ومقدمات لظاهرة ما، ستصبح في قادم الأيام إشكالية معقدة سيتولد من رحمها أزمة حقيقية ومؤثر فاعل في مسارنا التنموي والحضاري إن لم يُبادر إلى دراستها ومن ثم تشخيصها تشخيصاً علمياً صحيحاً ووصف العلاج الناجع لها، وعلى رأس هذه الأشياء الحياتية القضايا والمشاكل الفردية ذات البعد الاجتماعي، ولعل الأسرة بناء وهدما من أخطرها على الإطلاق، وأولاها بالرعاية والاهتمام، ومن هذا الباب الحديث المتزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، « مطالبة المرأة السعودية بالخُلع من زوجها»، والخُلع كما ذكر المستشار القانوني ثامر السكاكر لـ»مكة» هو: فراق الزوجة الزوج بعوض، سواء كان المهر كاملاً أو جزءاً منه أو زيادة عليه وذلك وفقاً لتقدير القاضي، وغالباً ما ترفع قضية الخُلع في حالة كره الزوجة عشرة زوجها، أو ظهور خلق فيه يسوؤها وغيرها مما لا يكون في عيب من عيوب النكاح. والأرقام التي نشرتها «مكة» في عددها الصادر الخميس 22-1-1437هـ تحكي طرفاً من حجم هذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد آخر، وما خفي أعظم، حتى صار الناس يتناقلون في العالم الافتراضي المفتوح صوراً لحفلات تقيمها المرأة حين يطلقها زوجها أو تخلع نفسها منه.
* لقد أظهرت الأرقام أن نساء محافظة جدة الأكثر طلباً للخلع بواقع 55% ( 276)، وفي المرتبة الثانية محافظة الأحساء (55)، يليها أبو عريش (35)!! وتحتل العاصمة الرياض المرتبة الرابعة عشرة (3) فقط، والقراءة الأولية للأرقام تظهر:
* خلو محاكم مناطق « الباحة، حائل، عسير « من قضايا الخُلع، وشخصيا لا أدري هل هذا نتيجة غياب المعلومة - وإن كنت أستبعد هذا الاحتمال- أو أن المطالبة بالخُلع في هذه المناطق لم يدخل في قاموس المرأة بعد، نتيجة الاستقرار الأسري الذي تنعم به الأسر القاطنة هذه المناطق، أو أن الخُلع ما زال يعد عيباً اجتماعياً لا يمكن أن تقترفه المرأة ولو بقيت عمرها كله في عذاب فالعادات والأعراف والتقاليد ما زالت متحكمة بسلوك المرأة وعلاقاتها، وربما جاء هذا الغياب جراء طبيعة الرجل في هذه المناطق والتزامه الأدبي بما نص عليه القرآن الكريم وصار لازمة من لوازم عقد القِران في مجتمعنا السعودي {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
* حضور محافظات وقرى غير معروفة على خارطة الأحداث والأرقام السعودية من قبل، بشكل يلفت الانتباه.
* 501 قضية إثبات مخالعة الزوجة خلال عام 1436هـ بزيادة 66.4% عن عام 1435هـ الذي سجلت فيه المحاكم 301 قضية، أمر يثير كثيرًا من التساؤلات وعلامات التعجب والاستفهام؟!.
* تسجيل منطقة الرياض - مع كثرة سكانها وتعدد محافظاتها ومدنها وقراها وتنوع ثقافة قاطنيها-(3) حالات فقط في مقابل منطقة مكة المكرمة 302، منها في جدة 279 وفي مكة 18، والقنفذة 5، وفي منطقة القصيم 29 قضية منها 17 في الرس، و11 في بريدة، وواحدة في عنيزة!.
أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى أن ينبري له أهل الاختصاص، وتدرس جميع هذه الحالات الـ(501) ليقف صاحب القرار على الأسباب الحقيقية التي جعلت المرأة تصل لمرحلة اليأس من استمرار حياتها الزوجية فتقرر طرق باب المحاكم الشرعية، ومن ثم تُسن الحلول الجذرية لضمان تقليل نسب الطلاق والخلع في مجتمعنا السعودي، وحتى تنتهي هذه الدراسة الوطنية المهمة، التي أقترح على وزارة الشئون الاجتماعية تبنيها ودعمها وتسهيل مهمة الباحثين فيها. أرى وجوباً:
* إدخال مادة التربية الأسرية ضمن مناهج المرحلة الثانوية في التعليم العام «بنين وبنات».
* تكثيف جهود جمعيات التنمية الأسرية التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية ودعمها مادياً ومعنوياً، وربط تقويمها السنوي بدوره الحقيقي في تقليل نسبة الطلاق والخُلع في مجتمعها المحلي.
* إيجاد فروع لجمعية «أيامى» الجمعية السعودية لرعاية الأرامل والمطلقات، وحث مجلس إدارتها على التركيز على الرعاية النفسية والاجتماعية والتثقيفية حتى يعاد التوافق بين الزوجين وتعود المرأة المطلقة طلقة واحدة لعش زوجيتها المكسور.
* نشر ثقافة التسامح والتراحم والاحترام، وثقافة الاعتذار، والتغابي الذكي في الأوساط الأسرية.
* إيجاد مكاتب توفيق وإصلاح بين الزوجين داخل أروقة المحاكم الشرعية، وإحالة كل قضية أسرية تصل للقضاء لهذه المكاتب المختصة قبل النظر فيها، وهنا أشيد بجهود محكمة حائل العامة التي تبنت هذه الفكرة بالتنسيق مع «وفاق» جمعية التنمية الأسرية في حائل، ال تي أترك الحديث عنها - الفكرة -وعما حققه مكتب «التوجيه والإرشاد الأسري في المحكمة العامة بحائل» من نتائج منذ ميلاده وحتى تاريخه إلى مقال الجمعة القادم بإذن الله، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.