أ. د.عثمان بن صالح العامر
عبر التاريخ، كان للكلمة - وما زال - وقعها المؤثر والفعال في البناء والهدم على حد سواء، ولذلك للطيب من الكلام ثقله في ميزان الله فضلاً عن عقلاء العباد، وكلما زاد الثراء اللغوي عند الإنسان، وعظم وقع حديثه في النفوس، ومنحه الرب سبحانه وتعالى بلاغة وبياناً، كانت مسئوليته المجتمعية نحو العامة أشد، خاصة في مثل زماننا هذا الذي تكلم فيه الرويبضة وعلا صوت الصغار عمراً وعقلاً، وتعددت وتنوعت منابر القول ومنصّات التأثير، فصار الناس يتبعون كل ناعق، وقد يصدقون الفاسق.
لقد تحدث أستاذنا الفاضل وصديقنا العزيز الكاتب القدير حمد بن عبد الله القاضي يوم الخميس الماضي 2-1-1437هـ في زاويته المعروفة «جداول» عن لقاء معالي وزير الثقافة والإعلام بمن نعتهم «قبيلة المثقفين»، وبشر «أبو بدر» بغد ثقافي أجمل وأكثر فاعلية، يتوافق ويتواكب مع منزلة المملكة وثقلها السياسي والاقتصادي.
ومع أن البشارة والتفاؤل أمر مطلوب في شأن المسلم كله، فإن المؤشرات والدلائل تجعل المتابع والراصد لما يكتب ويقال من قبل قبيلة المثقفين في بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو المدونات الشخصية، أو الكتب المرجعية، أو المقالات الصحفية والأحاديث الإعلامية، تجعله لا يتفاءل كثيراً بقادم الأيام، بل يصاب بإحباط كبير، وتكثر عنده علامات الاستفهام والتعجب جراء ما يتفوه به وينطق ويحرر ويكتب المحسوبون على الوسط الثقافي السعودي اليوم.
بعض المثقفين ما زال يغرد خارج السرب، والبعض الآخر ذاب كما يذوب الملح وغاب وتوارى عن الساحة فجأة ودون مقدمات، والثالث يبحث عن مجد ذاتي في مرحلة الانتقال هذه بطريقة فجة مفضوحة، والرابع يمارس اللحن في القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، والخامس والسادس.. والطامة أن أذرعة وزارة الثقافة والإعلام المتمثلة في الأندية الأدبية خاصة، ما زالت عاجزة عن فلترة الساحة واحتضان المثقفين وتوظيف إبداعاتهم لما يحقق الصالح العام ويصب في النهاية لخدمة وطننا المعطاء. إنّ أولى الأولويات وأوجب الواجبات أمام وزيرنا الشاب الخلوق معالي الدكتور عادل الطريفي والفريق العامل معه أن يحددوا ماهية قبيلة المثقفين هذه، ويضعوا الضوابط والمعايير التي تمنح القارئ والراصد للساحة السعودية القدرة على تحديد معالم هوية شخصية المثقف السعودي، وتعطي السابر للواقع الثقافي المعيش الإجابة الدقيقة للسؤال الذي يختلج في النفس : ترى من هو المثقف السعودي؟ من يمثل قبيلة المثقفين في المنتديات الخارجية؟ ما هي خصوصية ثقافتنا المحلية في مقابل العولمة ذات الحمولة الفكرية الخطرة؟ وإلى متى والمناطقية جاثمة على صدر هذه القبيلة التي نفخر ونفاخر بها!؟.
إننا في مرحلة استثنائية، وكما تقع مسئولية مباشرة على السياسي والعسكري في حربنا ضد الإرهاب والتطرف ممثلاً الآن في الخوارج والدواعش في الداخل والخارج، فإن على قبيلة المثقفين والإعلاميين مسئولية عظيمة إزاء هذه التيارات التكفيرية الخطيرة ، فما هي مفردات الخطاب الثقافي السعودي المعاصر في حربه ضد الإرهاب، وما هي خطتنا الإستراتيجية التي بها نجاهد العدو المتكئ على إرث فكري محرف في الأساس، وماذا قدمت الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون المنتشرة في مناطق المملكة المختلفة والمدعومة
مادياً ومعنوياً من جهود تذكر في مواجهة هذا الفكر الضال.
إننا جميعاً نقف في خندق واحد، وكلٌّ تقع عليه مسئولية مباشرة في الدفاع والمواجهة اليوم، والمثقف الحق لابد أن يستشعر أمانة الكلمة ويصدع بالحق في وجه كل من أراد النيل من هذه البلاد أو التعريض برموزها وإفساد اللحمة الوطنية فيها، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام،،،.