د. حسن بن فهد الهويمل
لا أحسب رجلاً رشيداً يعدل بلقائه بولي أمره أيَّ لقاءٍ آخر. ولا سيما إذا كان لقاء مكاشفة، واستزادة من التوجيهات السديدة،والآراء الرشيدةِ. من رجل عاصر الثقافة، والمثقفين، وأدار ملفاتهم.
قاد هذا اللقاء بنجاح معالي وزير الثقافة والإعلام. وناب عنهم في إلقاء كلمتهم بين يدي خادم الحرمين الشريفين.
الآيات المباركات، التي استُفْتِح بها هذا اللقاء،كانت رسالة واضحة للمتسرعين السماعين، الذين لا يَرُدُّون النوازل إلى أولي الأمر منهم، ممن يقدرون على استنباط المعطيات الدلالية من أعماق الأحداث. {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
كلمة خادم الحرمين الشريفين جاءت مرتجلة، وعفوية. فهو لا يريد لهذا اللقاء أن يأخذ طابع الرسميات.
أعرف أن طائفة من الأدباء،والمفكرين،والإعلاميين يودون أن تكون لهم كلمات، يُبْدون فيها ما يساورهم من هموم. فلقاء كهذا، له وزنه، وقيمته، ومكانته، وأثره.
معالي الوزير حين لم يكن بدا من اختصار اللقاء، احتراماً لوقت خادم الحرمين الشريفين المتخم بالمسؤوليات الجسام، هيأ الفرصة للكافة، للالتقاء معاليه، بعد العودة إلى [مركز الملك فهد الثقافي].
ولما لم يكن لي شرف الحضور، لاقتراب موعد عودتي إلى [القصيم] لم تكن لدي معلومات كافية عما دار في هذا اللقاء، لتقويمه، والحديث عنه.
وحسناً فعل معاليه، ولو كان لي شرف الحضور في هذا اللقاء الجانبي، لتمنيت أن ينفذ على هامش هذه التظاهرة الثقافية [ندوة فكرية]، تعالج ما جد من ظواهر أدبية، وفكرية.
وهو إذ ناب عن الجميع في إلقاء الكلمة، فقد حاول تغطية بعض متطلبات الموقف، ولكن في النفس حاجات، ظل الجميع يُكَتِّمونها.
كلمة خادم الحرمين الشريفين ركزت على التواصل، واستحلاء الحقائق من جهاتها، قبل الخوض في المجهول.
فالكلمة تشكل عبئا في هذه الظروف المأزومة. والتعجل بالدفع بها،قد يتطلب جهداً، ووقتاً، ومالاً، لِلَمْلَمةِ آثارها السيئة.
أعداء البلاد يتربصون، ويسترقون السمع، ويتلقفون القول، ثم يحرفونه عن مواضعه، والمملكة تمارس مهمات جسام، لصالح الأمة العربية، والإسلامية. وليس من المصلحة اشتغالها بتطهير المشاهد من وضر الفيض الرخيص، والمجازفات الكلامية غير المسؤولة. المشهد الإعلامي لا يسر السامعين، وطفحه يزكم الأنوف، ويؤذي المشاعر.
لقد أقبل الجميع من آفاق البلاد، ومن كل أطياف النخب،وعلى محيا كل واحد منهم علامات البشر، فلقاؤهم بولي أمرهم، وسماع رؤيته في ظل هذه الظروف العصيبة يعد استنارة، وشد عضد لهم.
فهم جميعاً مع دولتهم في السراء، والضراء، والعسر، واليسر، وحين البأس، وزلات أقلامهم - إن بدرت - من أخطاء الاجتهاد المأجور.
فما من عاقل رشيد يود استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. ما أوده حسم الظواهر غير السوية، أولاً بأول. وهذا من أولويات [وزاراة الثقافة والإعلام].
وكلمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله العفوية المرتجلة، تشف عن رضى، وقبول، واستزادة.
هذه الحميمية التي لمسها المجتمعون، وعاشوها مع ولي أمرهم، بعثت في النفوس مزيداً من الثقة، والارتياح، والتفاؤل.
وليس غريباً أن يبدو الانسجام، والتلقائية، والتقاء وجهات النظر، فولي الأمر لم يكن غريباً عن عالم الفكر، والأدب، والإعلام.
لقد كان ملف الثقافة، والمثقفين بيده، منذ أن كان أميراً لـ[لرياض]. وهو خبير بأدواء الثقافة، ومشاكل المثقفين، يستل السخائم، ويقرب بين وجهات النظر، ويصلح ذات البين، ويعاتب برفق، ويدفع بإحسان.
وما من مشكلة ثقافية، أو فكرية، أو إعلامية، إلا باردها، وعالجها بالتي هي أحسن، وأراح ببعد نظره، وثاقب نظرته كل القطاعات الأمنية، والدينية، والمجتمعية، وناب عنها في حسم القضايا المتعلقة بالمثقفين.
فهو - حفظه الله - معهم يأسو، ويواسي، ويتوجع. ولهذا فقد حدثهم حديث الخبير، ولامس همومهم برفق،وتلطف في عرض ملاحظاته، وتوجيهاته.
وحين أشار إلى قنوات التواصل معهم، أكد أنها مفتوحة للجميع، و هذا من باب العتاب للمستبدين الذين يهتاجون أمام النوازل، دون التزود بالمعلومات الصحيحة والكافية.
الجميع يعرفون أن الأبواب، والأذان مفتوحة، والتأكيد عليها في هذا اللقاء للتذكير، والحيلولة دون مجازفة الأقلام فيما لا علم لهم به.
ما يوده أمثالي ممن عاشوا حضوراً أدبياً،واعلامياً،وسياسياً امتد لأكثر من خمسة عقود استمرار التواصل مع كبار المسؤولين،وتمكين النخب من بث الهموم، والاستزادة من المعلومات، فالمصادر المتعددة ربما لا تكون موثوقة، ولا مأمونة.
وأجهزة الدولة لديها ملفات عن كل القضايا الشائكة،والكتاب قد يتقحمون المشاكل دون معرفة دقيقة.
إن على [وزارة الثقافة والإعلام] تجسير الفجوات مع النخب، وإيصال المعلومات الموثوقة إليهم أولاً بأول.
فالكاتب قد تخدعه المعلومات المدسوسة. وحين يعتمد عليها، يقع في المحذور، ثم لا ينجو من اللوم، والعتاب، وسوء الظن.
ولما كانت وسائل التواصل ميسورة، فإن ذلك لا يتطلب أكثر من إنشاء مركز للمعلومات، ومسؤول لتوصيل المستجد.
الكتاب الملتزمون، وكتاب الرأي قد يقعون في الخطأ من حيث لا يشعرون، مع أنه بالإمكان تدارك الوقوع في المحذور، وتفادي الأخطاء.
لقاء النخب بولي الأمر فرصةٌ ثمينةٌ لوضع [خارطة طريق] يتم من خلالها تقوية الصلة مع وزارة الثقافة الإعلام، والعمل بروح الفريق الواحد. ولا سيما أن معالي الوزير،كان يوماً ما واحداً منهم.
لا نريد أن يكون الكاتب مجرد ناقل، ولا نريد له إلغاء ذاته، والذويان في الرسميات، ولكننا نريد توفير مصادر معلومات موثقة، تمده بالمستجد من الأخبار، وتحليلاتها. فالكاتب كالنحلة إن لم تهيأ لها الزهور، لاتتمكن من إعطاء المفيد.
وزارة الثقافة والأعلام خير من يوفر لكتاب الرأي المعلومات الموثقة.
ما نوده جميعاً أن يكون لهذا اللقاء ما بعدهُ، وألا يمر بدون التحرف لإسلوب يوفر للكاتب مايتطلع إليه من وفرة في المعلومات، وصحة لها، وتثبت فيها.
إن الكلمة لها أثرها، وحرب الشائعات، والحروب النفسية سلاحها الكلمة، ومالم يكن الكاتب على جانب من المعرفة بكل مايدور في المشاهد السياسية، فإن الحرب الباردة ستفقد السلاح المؤثر، والمرهب.
وحرب الأفكار لا يقل عن الحرب العسكرية، وأهم شيء في الحروب الثقة والإيمان. وزرع ذلك لا يكون إلا بالكلمة الطيبة، والقول السديد.
شكراً لـ[وزارة الثقافة والإعلام ] التي هيأت للأدباء، والمفكرين، والإعلاميين هذا اللقاء الذي ظلوا يتطلعون إليه، ويودون أنه جاء مبكراً.