د. عبدالواحد الحميد
من الناحية النظرية، تحقق المنافسة داخل الاقتصاد مصلحة البائعين والمشترين ويتعادل في ظلها العرض مع الطلب فيفرزان السعر الذي يعكس أحوال الموارد الاقتصادية من حيث الشح والوفرة.
من أجل ذلك طالما تغنى أنصار النظام الرأسمالي بهذا النظام الذي يرون أنه يخلق المنافسة بين المنتجين ويشحذ المواهب كي تبدع وتتفوق وتنتج بكفاءة، بينما يجلب دخول الدولة في النشاط الإنتاجي معه كل أمراض البيروقراطية من ترهل وانخفاض في الكفاءة وتبديد للموارد. وتبعاً لذلك، فإن القطاع الخاص هو الأفضل، ويشهد بذلك ازدهار البلدان الرأسمالية واندثار وإفلاس الاقتصادات الشيوعية بشكل كامل أو شبه كامل.
ومع التسليم بأن القطاع الخاص هو إجمالاً الأكثر كفاءة، فإن سلبياته أيضا كثيرة ولكن يمكن تحجيمها عن طريق القوانين التي تحد من الممارسات الضارة التي قد تصل حد الفظاعة في بعض الأحيان.
سلبيات القطاع الخاص ليست فقط تلك التي نقرأ عنها في كتب التاريخ الاقتصادي عندما كانت المصانع تشغل الأطفال والنساء ساعات طويلة جداً برواتب هزيلة وفي ظروف عمل بالغة السوء أو ما كانت تفعله الشركات الغربية أيام الاستعمار حين كانت تنهب موارد البلدان الآسيوية والأفريقية ودول أمريكا الجنوبية، وإنما يضاف إليها ممارسات تحدث حتى يومنا هذا يتم فيها استغلال المستهلك وغشه، وآخرها ما فعلته شركة فولكس واجن التي أقدمت على طرح سيارات مضرة بالبيئة بعد أن حجبت بطريقة مقصودة حجم التلويث الفعلي الذي تسببه هذه السيارات.
ولكي يستفيد المجتمع من ميزة الكفاءة التي يتسم بها أداء القطاع الخاص ويقلل من الممارسات السلبية لابد من تفعيل مبدأ المنافسة بشكل حقيقي وليس بترديد الشعارات، وهذا يتطلب نظام واضح للمنافسة وتطبيق صارم من الجهات الحكومية الموكل إليها كشف ومعاقبة الاختراقات التي تتعرض لها المنافسة من قبل بعض منشآت القطاع الخاص.
قرأت مؤخراً في جريدة الاقتصادية أن ديوان المظالم أيد حكماً لمجلس المنافسة بتغريم بعض منشآت القطاع الخاص مبالغ مالية والتشهير بها في الصحف الرسمية بسبب ارتكابها مخالفات تمثلت في «الاتفاق فيما بينها على تثبيت الأسعار، وتقاسم الأسواق، وإساءة استخدام الوضع المهيمن». هذه الأحكام جيدة لمنشآت القطاع الخاص بقدر ما هي جيدة للمستهلكين فهي تحمي القطاع الخاص من نفسه!
للأسف، هناك نزعة لدى بعض منشآت القطاع الخاص لاستغلال المستهلك بتعطيل قواعد المنافسة ما أمكنها ذلك، مع أنها لا تتوقف عن كيل المديح للنظام الاقتصادي الحر الذي يحقق المنافسة.
الواقع أن من الصعب إن لم يكن من المستحيل ـ في تقديري ـ تصور وجود أي منشأة من المنشآت التي تملك قدراً من ممارسة السيطرة على السوق وتمتنع من تلقاء ذاتها عن إيذاء المستهلك في جيبه! لهذا يمكن أن يكون «نظام المنافسة» الذي يشرف عليه «مجلس المنافسة» هو الضمان الذي يحد من شطط بعض منشآت القطاع الخاص ويحقق العدل في الممارسة التجارية بشرط تفعيله كما ينبغي.