عبدالعزيز السماري
لم يعد التطرف ظاهرة فردية لجماعة سرية، فقد أصبح حديث الساعة، وأصبحت أخباره تتصدر عنواين الأخبار، كان آخرها تفجيرات باريس المروعة، والأهم من ذلك أنه تحول إلى طبيعة من طبائع الإنسان.. ما يحدث في الشام والعراق وليبيا ومصر دليل على خروج العقول عن طورها الطبيعي، والأرض العربية الآن مرشحة للمرة الثانية لقيام حرب عالمية مصغرة على أراضيها بعد حرب الخليج الثانية.
أصبح العالم عن بكرة أبيه يحمل هم التطرف الإسلامي، ويخاف من ضربته القادمة، لكن يا تري ما الذي حصل لكي يتحول بعض المسلمين إلى كائنات من البارود المتفجر، وهل يدخل ذلك في طبيعتنا البشرية؟.. أم أن السبب هو الإسلام؟!.
تعلمنا من التاريخ أن الإنسان إذا اختار سبيل العنف يصنع حوله الفكر الملائم، ولذلك خرجت النازية المسيحية لتضفي الغطاء حول رغبة ألمانيا في الانتقام من هزيمتها في الحرب العالمية الأولي، واستدعى الفرنسيون فكرة الثورة ضد الدين لتلائم ثورة الفقراء ضد الإقطاع البرجوازي المسيحي.
لذلك ما يجري من استدعاء لبعض فصول التاريخ الإسلامي للحضور والمشاركة في معركة الإرهاب مع الغرب أوجدتها الظروف غير الطبيعية في المنطقة، ومنها جرائم الغطرسة الإسرائيلية في المنطقة والدعم الأمريكي اللامحدود للجريمة المنظمة في فلسطين.
كما ساهم الموقف الغربي المتخاذل من الثورة السورية المدنية ضد الطاغية بشار الأسد في لجوء كثير من السوريين إلى الجماعات المتطرفة، بعد أن صمت العالم الغربي عن قتله لشعبه بالغازات والبراميل المتفجرة.
ساهم دخول حزب الله وإيران إلى سوريا لمساندة قوات النظام ضد شعبه في تحول قضية الشعب السوري النبيلة إلى قضية طائفية كريهة، تصب في مصلحة نظام بشار ودولة التطرف إسرائيل.
ساهمت الظروف السياسية القاسية التي يعيش فيها كثير من الشعوب العربية في تحول بعض أبنائها إلى دوامة التطرف الديني، فالفشل التنموي والاستبداد وتعليق المشانق للمعارضين السياسيين ساهم بقوة في لجوء الناس إلى الدين خوفاً من بطش الحاكم الدكتاتور.
ساهم تدريس الأحادية الدينية في المدارس إلى خروج أجيال مستعدة ذهنياً لإقصاء الآخر، وساهمت ذهنية التحريم في رفض الواقع ثم العمل على تغييره، ولذلك أصبحت الهجرة إلى داعش واجباً دينياً، ومكاناً لتصدير التطرف الديني إلى العالم.
لن تنجح الحروب العالمية في إطفاء الإرهاب مالم يتم حل قضايا الشرق العربي العالقة، وعلى رأسها قضية فلسطين، والتي كانت ولازالت سبب كراهية المسلمين إلى الغرب، وستستمر حالة العداء إذا لم تتنازل الولايات المتحدة الأمريكية عن عقيدتها الدينية المتطرفة تجاه إسرائيل.
لن تتوقف موجات التطرف عن الظهور مالم يتم الاتفاق على ضرورة الإصلاح السياسي وإقرار أنظمة للعدالة الاجتماعية والاقتصادية، فحالة البؤس والإحباط التي يعيشها الإنسان العربي بيئة خصبة لإفراز الفكر المتطرف.
لن تتوقف ذهنية التفجير عن إصدار الأصوات المدوية ما لم يتوقف السياسي عن التلاعب بالدين، فالاعتقاد أن الدين ستار تدور خلفه المكائد والمصالح لم يعد صالحاً لهذا الزمن التي تخترقه وسائل الإعلام من كل جانب.
ليس التطرف فكره أو مجموعة من الأفكار بمحاربتها تنتهي حالة التطرف، ولكن التطرف تصنعه الظروف الجيوسياسية والأحوال الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت في نهاية الأمر إلى تحويله إلى قناة للتعبير عن المسكوت عنه في عالمنا المتفجر.
إذا أراد العالم أن يقضي على التطرف، عليه أولاً أن يتحلى بالمصداقية والموضوعية، وأن يلبي حقوق الشعوب المسلوبة، وأن يدرك قبل ذلك أن الجريمة السياسية لا لون ولها ولا دين، وأن لكل فعل قبيح ردة فعل أقبح منه.. والله المستعان.