د.علي القرني
أحداث باريس تعكس حقيقة واحدة وهي أن داعش تعيش حاليا مرحلة خطيرة في بقائها، وهي تعلم أن نهايتها باتت في حكم المؤكد والمسألة هي مسألة وقت ليس إلا،
ولهذا فإنها بدات تتجه إلى الخارج وتحاول أن توقع خسائر مدنية فقط في أناس أبرياء ليس لهم شأن أو علاقة بأي موضوع من موضوعات اهتمام داعش..
من الواضح أن العقلية الداعشية التي يظهر تفكيرها جليا في مظاهر تصدير العنف إلى الخارج العراقي والسوري وهي الأرض التي نشأت عليها، من الواضح أن الوضع الذي تعيشه في أماكن تواجدها وقوتها في العراق وسوريا هو وضع سيء جدا وهناك تراجع كبير في حجم المساحات من المدن والأراضي التي كانت تستولي عليها. وسجلت الأحداث أن داعش في تراجع مضطرد وهي ستخسر في نهاية الأمر، وهذا ما يدور في مخيلة وعقول قادة داعش، فهم يفكرون بعد تنازلي لبقائهم في الوجود ككيان تنظيمي على الأرض السورية والعراقية.
داعش هي لعبة استخبارات سورية إيرانية عراقية في الأساس، وهي قدمت خدمة كبيرة جدا لنظام بشار الأسد فقد نجحت في إطالة بقائه واستمرار وجوده خلال السنوات الماضية، والجميع يعلم أن داعش قد جاءت لتبعثر أوراق المعارضة السورية التي كانت على وشك النجاح بإطاحة نظام بشار الأسد، وجاءت لتواجه الجيش الحر بشكل خاص ودخلت معه في معارك كبيرة جدا أدت إلى ضعضعة قوى المقاومة، وأصبح الجيش الحر في مواجهة داعش من ناحية وفي مواجهة جيش نظام بشار الأسد من ناحية أخرى. ولهذا حققت داعش هدفها وهدف نظام بشار الأسد في تقويض أي نجاح يمكن أن تحققه المعارضة السورية ضد النظام السوري.
وتشير مصادر استخباراتية كشفتها بعض المؤتمرات الصحافية التي عقدت مؤخراً لي أن نظام بشار الأسد ولعامين كاملة لم يحاول أن يواجه داعش أو يطلق عليه رصاصة واحدة أو يرمي عليه براميله المتفجرة، وبقى صامتا عن تقدم داعش، وتفرغ جيش بشار إلى مواجهة جيش المعارضة السورية فقط، إضافة إلى تفرغ داعش لمواجهة قوى المعارضة السورية. ولهذا فقد كانت داعش هي الإنقاذ الحقيقي الذي ساعد نظام بشار الأسد في البقاء في الحكم إلى الآن.
داعش تحقق أهدافا ليست لها ولكن لغيرها بهدف أن تبقى في وضعيتها التوسعية على الأرض السورية والعراقية، ولكن المشهد الحالي يشير إلى اقتراب داعش من نهايتها ككيان وتجمعات وتنظيمات، وقادة داعش يدركون هذه الحقيقة، فالمدن التي كانوا يستولون عليها بدأوا يفقدونها واحدة بعد أخرى، والتجمعات البشرية التي كانت معهم تنازلت عنهم، والتمويل الذي كانوا يمتلكونه بدأ ينبض، والعالم بدأ يتكتل عليهم، إضافة إلى أن الجرائم الكبيرة التي ارتكبوها والتي يمكن إن يقال عنها أنها ضد الإنسانية، هذه الجرائم جعلت من الموالين لهم يتراجعون عن تأييدهم، فلم يعد الإسلام هو مرتكز علاقة أو منطق إيديولوجيا لهم، فقد قوضوا أي فكر إسلامي يمكن أن يرتبط بهم، وأصبحوا يسيئون للإسلام لدرجة أن جميع الطوائف والجماعات الإسلامية قد تبرأت منهم، وابتعدت عنهم.
داعش من الواضح أن التاريخ سيكتبها للنسيان، وسيكتبها أنها كانت جماعة ادعت الإسلام ولكنها عملت ضد الإسلام، وحاربت الإسلام وتمكنت من تقويض مفهوم الدعوة للإسلام لأنها خلقت صورة مشوهة عن الإسلام. سيكتب التاريخ أن داعش فجرت المساجد وأرعبت المصلين وزرعت الخوف في مساجد الله، وسيكتب التاريخ أن المسلمين من أقصى الأرض إلى أقصى الأرض قد دعوا في خطب جمعهم وفي صلواتهم وفي سجودهم وركوعهم على من يقف وراء داعش ومن يؤيدها ومن يؤمن بفكرها.. داعش سيكتبها التاريخ أنها عاشت لسنوات قليلة في أرض العراق وسوريا ثم دحرت وتقوضت وانتهت.
إن هذا التراجع الخطير الذي تعيشه داعش حاليا على أرض المعارك هو ما دعا داعش إلى أن تنقل مواجهتها إلى المدن والمساجد والمطاعم والطرقات والطائرات، في محاولة أخيرة يائسة جدا أن تؤثر على إيقاع الهزائم التي تواجهها على أرض المعركة. ونتوقع أن تستمر داعش في هذا النهج الجبان الذي يستهدف مدنيين أبرياء مسلمين وغيرهم ليس على أي أساس ديني أو إنساني. وإذا سمعنا في الأيام أو الشهور القادمة عن حوادث مشابهة لما حدث في باريس وغيرها فلن نكون مستغربين، لأن داعش ستحاول أن تصطنع حضورا لها يبرر تقهقرها في ميدان المعارك الحقيقية.